للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصلاة سبب من أسباب النجاة من عذاب القبر]

لقد ذكرنا من قبل أن ترك الصلاة سبب من أسباب عذاب القبر والعياذ بالله، وعلى الجهة المقابلة فإن الصلاة نجاة من عذاب القبر، فطاعة الله عز وجل هي خير ما يقدمه الإنسان ويدخره في قبره، يقول عز وجل: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم:٤٤]، قال مجاهد: (يمهدون) يعني: في القبر، يعني: يدخر هذا العمل الصالح في القبر، والقبر صندوق العمل.

عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه: أهله، وماله، وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله) متفق عليه.

ووصف لنا الصادق المصدوق تفاصيل ما يجري في أول لقاء يتم في القبر بين المؤمن وبين عمله الصالح، وكيف أن عملك الصالح سيجسد لك في أجمل وأحسن وأبهى صورة، ويظل قريناً لك في القبر منذ أول لقاء بينك وبينه عندما تنزل في القبر، ففي حديث البراء الطويل قال صلى الله عليه وآله وسلم في شأن المؤمن: (ويأتيه من روحها وطيبها -يعني: من ريح وطيب الجنة- ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير، من أنت، فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً، ثم يفتح له باب إلى الجنة) إلى آخر الحديث.

يعني: إذا رأيت في نفسك تكاسلاً أو تقصيراً فذكر نفسك بهذا الموقف وبهذه اللحظة.

إذاً: أول ليلة ستبيتها في القبر سيزورك فيها عملك، فإن كنت صالحاً قال لك: (أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله) أي: مبادراً إلى طاعة الله.

إذا تذكرت هذا الشيء فإنك إذا سمعت الأذان تجري إلى الصلاة، وغيرها من الأعمال الصالحات.

وتأتي الصلاة في مقدمة الأعمال الصالحة التي تحفظ صاحبها من عذاب القبر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت إذا وضع في قبره، فإنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه -يعني: يأتيه العذاب من قبل الرأس- فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل يعني: لا توجد ثغرة كي ينفذ منها العذاب إلى هذا الرجل- ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف إلى الناس: ما قبلي مدخل) وهذا حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>