للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصلاة ميزان عمل المسلم ومقياس إيمانه]

إن من خصائص الصلاة أنها مرآة عمل المسلم، وميزان تعظيم الدين في قلب المؤمن، وميزان الأعمال، فالصلاة يتابع بها الإنسان زيادة إيمانه ونقصانه، كما يتابع الطبيب بمقياس الحرارة أو (الترمومتر) حرارة المريض، فيكون دليلاً على ارتفاع حرارته ونقصها، وكذلك يستطيع الإنسان أن يعاير إيمانه زيادة ونقصاناً عن طريق مكانة الصلاة في حياته وفي قلبه.

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله) أي: أن الناس يتفاضلون في الصلاة قبل أن يتفاضلوا في غيرها، فإذا أردت أن تفاضل بين شخص وآخر فلا تفاضل بين شكل وشكل، ومظهر ومظهر وملبس وملبس، وعلم وعلم، وذكاء، وذكاء ونسب ونسب؛ لكن إذا أردت أن تقيس الناس بالمقياس الصحيح، وأن تحكم على دين الرجل ومكانته في الإسلام، فإنما يقاس الإنسان بمحافظته على الصلاة قبل أي مقياس آخر، وليس امتياز هؤلاء الرجال الذين خلد التاريخ ذكرهم، وكان لهم فضل على الأقران والمعاصرين، وكان لهم لسان صدق في الآخرين، إلا لامتيازهم في هذه الصلاة، وتفوقهم فيها على معاصريهم وأترابهم، وبلوغهم فيها درجة الإحسان، ووصولهم فيها إلى أسمى مكان.

على الجانب الآخر فإن كل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به؛ لأن حظ المرء من الإسلام على قدر حظه من الصلاة، فكما يمتاز الإنسان بمكانة معينة وبلسان صدق، فلن تجد شخصاً من هؤلاء الأبطال أو العلماء أو المجاهدين إلا وكان قمة في المحافظة على الصلاة وأداء حقوقها، لكن انظر إلى الملاحدة أو العلمانيين أو الزنادقة الذين يطعنون في الدين، انظر إلى واحد منهم ستجده مضيعاً للصلاة أو مستهزئاً بها أو طاعناً في الدين، فما دام عنده آفة في الصلاة فلابد أن يكون مستخفاً مستهتراً بدين الإسلام، فحظ المرء من الإسلام على قدر حظه من الصلاة.

فإذا أردت أن تعرف قدر رغبتك في الإسلام وحبك للإسلام واعتزازك بالإسلام ففتش عن رغبتك في الصلاة، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك، وإذا أردت أن تقيس إيمان عبد فانظر إلى مدى تعظيمه للصلاة، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده) هناك وسيلة تستأنس بها لتعرف ما الذي هو مدخر لك عند الله عز وجل، فإذا أردت أن تعرف منزلتك أو ثوابك أو عقابك عند الله فانظر ما لله عندك، كيف تفعل أنت مع الفرائض، وفي الواجبات، وسائر حقوق الله تبارك وتعالى؟! فإن الجزاء من جنس العمل.

وعن الحسن قال: يا ابن آدم! أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك؟! من هانت عليه الصلاة لا يمكن أن يعز عليه شيء، ومن هانت عليه الصلاة فهو إنسان لا خير فيه؛ لأنه مضيع حق ربه، فاسق قد خان أول منعم عليه وهو الله تبارك وتعالى، وضيع حقه، وضيع أهم عبادة في الإسلام، فهل يؤمن هذا الفاسق أن يكون صديقاً وفياً أو حميماً؟! كلا، فمن هانت عليه الصلاة لا تثق به ولا تأمنه أبداً؛ لأن من خان أول منعم عليه حقيق به أن يخونك ولا يفي لك.

<<  <  ج: ص:  >  >>