للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علو همة خالد بن الوليد في الجهاد]

وهذا سيف الله تعالى وفارس الإسلام وليث المشاهد قائد المجاهدين أبو سليمان خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما حضرته الوفاة قال: لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وهأنا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.

يعني: وما قتلت مع ذلك.

فيدعو على الجبناء الذين يجبنون عن الجهاد خوفاً من الموت بأن لا يناموا، وأن يزيد الله من فزعهم من الموت.

وروى عاصم بن بهدلة عن أبي وائل قال: لما حضرت خالداً الوفاة قال: لقد طلبت القتل مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتها وأنا متترس، والسماء تهلني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار.

ثم قال: إذا مت فانظروا إلى سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله.

فلما توفي خرج عمر على جنازته، فذكر قوله: ما على آل الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعاً أو لقلقة.

فهذه الأمة حينما بنيت هذا البناء المتين الذي طبق مشارق الأرض ومغاربها، والذي يستعصي على الاقتلاع حتى اليوم إنما هو أثر من آثار وبركة من بركات جهاد الصحابة الأوائل رضي الله تعالى عنهم، فكل ما نحن فيه من نعمة الإسلام في آفاق الأرض إنما هو بسبب جهاد الصحابة، فالصحابة لو قطنوا في جزيرة العرب، ولو اعتزلوا وناموا لما انتشر الإسلام، ولما وصلتنا هذه النعمة العظيمة التي هي أجل النعم على الإطلاق في هذا الوجود، أي: نعمة الإسلام.

فتباً لهؤلاء الذين يريدون أن يطفئوا النور الذي أضاء الصحابة به ربوع الأرض كلها، من أعداء الله من العلمانيين الملحدين، وأعداء الدين الذين كل جهدهم الآن أن يطفئوا نور الله، وأن يمحوا ويقتلعوا ويجففوا منابع الإسلام، جفف الله الدم في عروقهم أجمعين.

فانظر إلى هذه الشجاعة، إنها شيء لا يكاد يتصور ولا يتخيل من قائد عسكري هو أعظم قواد الإسلام على الإطلاق، فماذا فعل خالد في إحدى المعارك؟ لقد بلغ من شجاعة خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أن جيش الأعداء كان واقفاً يصطف في الصفوف، ويقف قائد الفرس لينظم صفوفهم، وإذا بـ خالد ينطلق كالبرق ليحتضن القائد ويخطفه، ويعود به من وسط جيوشه إلى جيش المسلمين أسيراً! شيء لا يكاد يتخيله إنسان، فهل هناك قلب يكون عنده مثل هذه الشجاعة وهذه السرعة وهذا الإنجاز؟! انطلق إليه بدون حراسة معه، وبدون قوات معه، ولا شك في أن هذا أثار ذهول الأعداء، وما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً أمام هذه الشجاعة النادرة، فرضي الله تعالى عن خالد وعن سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>