للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة إسلام القسيس رحمة برلومو]

وفي أحد الأيام بينما كنت أسير في طريقي بحثاً عن الحق رأيت معبداً بوذياً جميلاً ضخماً، فاقتربت منه فوجدت فيه عدة تماثيل وصور في السقف تمثل التنين، وعلى الجدران مثل ذلك، كما شاهدت أمام البوابة تمثالين على شكل أسد صامت، وما إن دخلت من البوابة حتى جاءني رجل فأوقفني وسأل: إلى أين؟ قلت: أريد أن أدخل.

قال: اخلع نعليك قبل أن تدخل، هذا معبد لنا، فاحترم مكان عبادتنا.

قلت في نفسي: حتى البوذية تعرف النظافة، أما الديانات السابقة فلا نظافة فيها، فأذكر أنني عندما كنت أدخل الكنيسة لم أكن أخلع نعلي عند الدخول.

وهذا الكلام خطأ، فإذا كان يقصد بالقذارة النجاسة فإن الإنسان لا يجوز أن يصلي بنعل فيه نجاسة، لكن إن كان طاهراً فإنه يجوز أن يصلي في النعل ويدخل المسجد، بشرط أن لا يكون المسجد مفروشاً، وإنما إذا كان من رمل أو حصى، فهو قرأ المعلومات المحدودة فلذلك قال هذه العبارة.

ثم يقول: لقد جربت الديانة البوذية فترة من الزمن، ولكن سرعان ما تركتها؛ لإحساسي بأني لم أجد الحق الذي أنشده، ثم اتصلت بالديانة الهندوسية التي بدأت ونشأت في الهند، والتي انتشرت تعاليمها حتى وصلت إلى بعض الجزر الأندونيسية، فأخذت أتنقل بين تلك الجزر التي يوجد فيها نشاط لاتباع هذا الدين، ومكثت فترة من الزمن تعلمت فيها الكثير، وقد نجحت في المرحلة الأولى إلى درجة أنني أخذت الخوارق كالعبور في النار، والمشي على المسامير الحادة، فهو دين معهم فيه الجن والشياطين تساعدهم على هذه الأشياء، والخوارق ليست دليلاً على أن هذا دين حق.

فوصل إلى مرحلة من المهارة في هذه الديانة الهندوسية إلى حد العبور في النار، والمشي على المسامير الحادة، وإدخال المسامير إلى أعضاء الجسم، إلى غير ذلك.

يقول: ولكن ليس هذا هو ما كنت أبحث عنه.

ثم يضيف الأخ رحمة برلومو: وذات يوم سألت رئيس المعهد الهندوسي: ماذا تعبدون؟ قال: نعبد برهما، ويسلو، وشيوا، برهما إله الخلق، ويسلو إله الخير، وشيوا إله الشر، ثلاثة آلهة تجلت في جسد إنسان واحد اسمه كرسنان الذي هو المنقذ للعالم عند الهندوس.

قلت لنفسي: إذاً: فلا فرق في أمر الألوهية بين الهندوسية والنصرانية، ولو اختلفت الأسماء، فهما يناديان ثلاثة في واحد، فقلت للكاهن الهندوسي: اشرح لي نشأة هذا الدين.

فقال: كان في الهند سنة ألفين قبل الميلاد ملك جبار ظالم لا يرحم حتى أبناءه، فيقتل مولوده الذكر خوفاً من أن يحتل عرشه غصباً، وفي إحدى الليالي الظلماء كان الملك جالساً أمام قصره، وإذا بكوكب مضيء يطلع في السماء فوق رأسه، وكان يطير بسرعة مذهلة، ثم توقف في الفضاء وأرسل نوره الباهر على حظيرة الأبقار، فلما سأل الملك رجال العلم والدين راجعوا كتبه المقدسة فقالوا: إن ذلك دليل على تجلي الآلهة في جسم إنسان اسمه كرسنان.

فقلت في نفسي: والذي يعرف قصة النصرانية يجد نفس القصة موجودة يزعمونها في قصة ميلاد المسيح، فهذه القصة مع تغيير الأشخاص موجودة في الديانة النصرانية، وكنت أحدث الناس بها وأناقش، والفرق أن القرية المشار إليها هي بيت لحم والإنسان عندنا هو المسيح، فلا فرق إذاً بين القصتين، ولا بين العقيدتين في قضية أساسية هي قضية الإلهية، وقضية هوية المنقذ للعالم.

لقد واصلت حواري مع الكاهن الهندوسي فقلت له: يا سيدي! إذا توفيت وأنا على دينكم فإلى أين مصيري؟! قال: لا أعلم، لا أعلم، لكن عليك أن تمتنع عن قتل الحشرات من أمثال النمل والبعوض وغيرهما، فقد تكون هذه الحشرات آباءك وأجدادك الموتى، وبعض المسلمين يعتقدون هذا، فبعض الناس عندما تدخل إليهم فراشة ذهبية يقول لك أحدهم: (احذر من أن تقتلها) فهذه روح أبيك أتت البيت أو نحو ذلك.

وهذا هو نفس الاعتقاد، فالروح هي التي يقول الله تعالى عنها: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [الزمر:٤٢]، وما يمسك الله فلا منقذ له، فإذا كان الله يمسكها فكيف تهرب وتأتي إلى الدنيا في صورة فراشة؟! فهذه عقائد لا تليق بأي إنسان مسلم، ولا ينبغي أن يصدقها، فهذه خرافات ما لها من أصل في دين الإسلام.

فالشاهد أن هذا الكاهن الهندوسي قال له: لا أعلم.

يعني: لا أعرف مصيرك إذا مت إلى أين تذهب، لكن احذر من أن تقتل الحشرات كالنمل والبعوض وغيرهما.

وقال: قد تكون هذه الحشرات أباءك وأجدادك الموتى.

ثم يقول في النهاية: قررت أن أترك كل تلك الديانات، ولم يكن أمامي إلا الإسلام الذي لم أكن أريد اعتناقه لما أعرف في نفسي منذ طفولتي من نفور وكراهية لهذا الدين الذي لم أكن أعرف عنه إلا الشبهات، كنت أريد البحث عن الحق المجهول، وهذا البحث يلزم الجهد والصبر، وذات يوم قلت لزوجتي: ابتداءً من هذه الليلة لا أريد أن يزعجني أحد، أريد أن أصلي وأتضرع إلى الله.

وهكذا أقفلت باب حجرتي ورفعت يدي إلى الله خاشعاً متضرعاً قائلاً: يا رب! إذا كنت موجوداً حقاً فخذ بناصيتي إلى الهدى والنور، واهدني إلى دينك الحق الذي ارتضيته للناس.

ثم يقول: والدعاء إلى الله ليس كأي طلب من الطلبات، كما أن دعائي إلى الله سبحانه وتعالى لم يكن خلال فترة وجيزة فحسب، بل استمر ذلك زمناً طويلاً قرابة ثمانية أشهر.

لقد كان يخلو بنفسه ولا يختلط بأحد، ولا يكلم أحداً، بل يسأل الله سبحانه وتعالى أن يهديه إلى الحق.

يقول: وفي ليلة الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر عام واحد وسبعين في اليوم العاشر من رمضان من نفس العام، وبعد أن فرغت من دعائي المعتاد ذهبت في نوم عميق، وعندها جاءني نور الهدى من الله عز وجل، وإذا بجسم شخص يظهر أمامي، فأمعنت النظر فيه فإذا أنا بنور حديث يشع منه يبدد الظلمة من حولي، لقد تقدم الرجل المبارك نحوي فرأيته يلبس ثوباً أبيض وعمامة بيضاء، له لحية جعدة الشعر، ووجه باك، لم أر قط مثله من قبل جمالاً وإشراقاً، لقد خاطبني الرجل بصوت مفهوم قائلاً: ردد الشهادتين، ردد الشهادتين.

وما كنت حينئذ أعلم شيئاً اسمه الشهادتان، فقلت مستفسراً: وما الشهادتان؟ فقال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

فكررتهما وراءه ثلاث مرات، ثم ذهب الرجل عني، ولما استيقظت من نومي وجدت جسمي مبللاً بالعرق، وسألت أول مسلم قابلته: ما هي الشهادتان؟! وما قيمتهما في الإسلام؟! فقال: الشهادتان هما الركن الأول في الإسلام، ما إن ينطقهما الرجل حتى يصبح مسلماً، فاستفسرت منه عن معناهما، فشرح لي المعنى، وفكرت ملياً وتساءلت: من يكون الرجل الذي رأيته في منامي؟! وكانت ملامحه واضحة المعالم بالنسبة لي، فلما وصفته لصديقي المسلم هتف على الفور قائلاً: لقد رأيت الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم! ثم يختم قصته بقوله: وبعد عشرين يوماً من ذلك الحادث -وكانت ليلة عيد الفطر- سمعت صيحات التكبير يرددها المسلمون من المساجد القريبة من دارنا، فاقشعر بدني، واهتز قلبي، ودمعت عيناي، لا حزناً على شيء، بل شكراً لله على هذه النعمة، الحمد لله الذي هداني أخيراً إلى ما كنت أبحث عنه منذ سنين، لقد تم ذلك في عام واحد وسبعين وتسعمائة وألف.

وقد خيرت زوجتي بين الإسلام والمسيحية فاختارت الإسلام، وكانت في طفولتها مسلمة ومن عائلة مسلمة، تنصرت بسبب إغراءات المبشرين، ولجهلها بأمور دينها الحنيف، كما تبعنا أبناؤنا فاعتنقوا الإسلام، ومنذ الثاني من فبراير سنة اثنين وسبعين ونحن مسلمون والحمد لله.

فهذا أنموذج من نماذج البحث عن الحقيقة، وها أنت ترى أن الإنسان إذا أخلص في البحث عن الحق فإن الله سبحانه وتعالى يهديه ويأخذ بناصيته.

فكون الإسلام هو دين الحق الوحيد أمر لا يرتاب فيه أي إنسان عاقل، ومن ثم لا يعذر الشخص إذا قال: بحثت عن الحق فوجدته في غير الإسلام.

بل يقال له: لقد قصرت في الجهد؛ لأن الأدلة والبراهين قاطعة على أحقية دين الإسلام بما لا يمكن أن يرتاب فيه أي إنسان عاقل، ولهذا لم يعذر الله سبحانه وتعالى من سمع عن دين الإسلام، أو سمع بالرسول، أو سمع عن القرآن ثم لم يبذل كل وسعه في التحري عن هذا الدين.

ونرى -أيضاً- أنه يمكن أن تكون بذرة توضع في قلب إنسان، ثم إن هذه البذرة تنمو وتترعرع إلى أن تصبح هي شجرة الإيمان القوية الراسخة في قلبه.

وهناك نماذج كثيرة أيضاً تأتي فيها الهداية منة واصطفاء واختياراً من الله سبحانه وتعالى، وقد سمعت عن رجل أندونيسي أتى إلى الإخوة الباكستانيين في المسجد فقال لهم: أريد أن أكون مسلماً.

فلما سألوه عن السبب في ذلك قال: لقد جاءني المسيح عليه السلام في المنام وقال لي: كن مسلماً.

فما كان من الرجل إلا أن شهد الشهادتين وعلمه الناس الصلاة، ثم بعد حوالى ثلاثة أيام قبض ومات ودفن مع إخوانه المسلمين، وقد زرت قبره في المقابر هناك في لندن.

وهناك قصص كثيرة لا نستطيع استيعابها، وقد ألفت فيها كتب كثيرة تتكلم عن قصص الهداية، وبداية التحاق كثير من الناس بها، والمقصود الإشارة إلى أن الإنسان إذا بحث عن الحق بإخلاص وبصدق فإن الله يأخذ بناصيته إليه، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

وبذلك نكون قد مررنا على كل الأبواب المتعلقة بمجالات علو الهمة، حيث تكلمنا عن علو الهمة في طلب العلم عموماً، وعلو الهمة في العبادة، وعلو الهمة في الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، وعلو الهمة في الدعوة إلى الله عز وجل، ثم علو الهمة في البحث عن الحق وعن دين الحق، وتبقى خواتيم هذا البحث وخلاصة الكلام في هذا الموضوع، كأسباب انحطاط الهمة، وأسباب الارتقاء بالهمة، وعلاج ضعف الهمة، والمنهج الصحيح إلى ذلك، وأثر ذلك في إصلاح حال الأفراد وحال الأمة أجمعين.

سبحانك -اللهم! - ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>