للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر بعض فضائل الصيام وحكم صيام شهر رجب]

السؤال

اذكر لنا بعض فضائل الصيام، وما حكم صيام شهر رجب؟

الجواب

عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض) الحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، ووافقه الألباني.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) متفق عليه.

وقد ثبتت أدلة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على استحباب التطوع بالصيام، وعلى فضيلة الصيام، فقد قال الله تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٣٥]، وقال تبارك وتعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٤].

قال مجاهد وغيره: نزلت في الصوام.

يعني: كما أظمأتم وجوعتم أنفسكم في الدنيا بكثرة الصيام، فكذلك يوم القيامة تجازون بجنس أعمالكم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٤].

ومن هذه الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة وحصن حصين من النار).

ومنها قول حذيفة رضي الله تعالى عنه: (أسندت النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري، فقال: يا حذيفة! من ختم له بصيام يوم دخل الجنة).

وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر ينفعني الله به، قال: عليك بالصوم، فإنه لا مثل له) فكان أبو أمامة وأهله يصومون، فإذا رئي في بيتهم دخان بالنهار، علم أنه قد نزل بهم الضيف، وأنه ما كان هذا الدخان ليصدر من طعام يعد لأهل البيت أنفسهم، وإنما طعام يعد لضيف طرأ عليهم، أما هم فكانوا يسردون الصيام فرضي الله تعالى عنهم أجمعين.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن للجنة باباً يقال له: الريان، يقال يوم القيامة: أين الصائمون؟ فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب).

وثبت أيضاً في حديث أبي هريرة مرفوعاً: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين).

وقال بعض السلف: إنما هو غداء وعشاء -يعني: أن الموضوع موضوع غداء وعشاء- فإذا أخرت غداءك إلى عشائك أمسيت وقد كتبت في ديوان الصائمين.

يعني: أنه بمجرد أن تؤخر الغداء إلى وقت العشاء تمسي وقد كتبت في ديوان الصائمين، وحزت هذه الفضائل العظيمة، فما أسهل ذلك على من علت همته في التسابق في الخيرات، وقد قال تبارك وتعالى: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) إلى آخر الحديث، ويقول بعض العلماء: من يرد ملك الجنان فليذر عنه التواني وليقم في ظلمة الليل إلى نور القران وليصل صوماً بصوم إن هذا العيش فاني إنما العيش جوار الله في دار الأمان فإذا كان قد ورد عن بعض السلف أن الشتاء هو الغنيمة الباردة، فهذه فعلاً حقيقة نحن نلمسها في أيام الشتاء، فلا يكاد إنسان يحس بالساعات وهي تجري وتطوى بسرعة، بحيث إن الإنسان يفاجأ بالغروب، وأنه قريب جداً من الصباح، فمن ثم قالوا: إن الشتاء هو الغنيمة الباردة، أي: الغنيمة التي يحوزها المؤمن دون كثير عناء ولا مشقة، فقد قصر نهاره ليمكننا الصيام، وطال ليله ليمكننا القيام.

فإذاً: لا ينبغي أن تفوت مثل هذه الفرص العظيمة، التي تسهل فيها الطاعة على العبد دون أن يغتنمها.

وأما شهر رجب فسمي بهذا الاسم لأنه كان يرجب، يعني: يعظم، ولم يصح في فضل صوم رجب شيء بخصوصه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله تعالى عنهم، لكن مع ذلك نستطيع أن نستدل على فضيلة صيام شهر رجب بهذه العمومات التي وردت في فضيلة الصيام المطلق، فمن صام صياماً مطلقاً في شهر رجب -لا لاعتقاد خصوصية فيه- فإنه بلا شك يحوز بإذن الله هذه الفضيلة، لكن لا على أن يسرد الصوم فيه، ويصومه كله فيشبهه برمضان.

هذا بجانب أن شهر رجب هو من الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:٣٦]، فإذا كنا نهينا عن ارتكاب المعاصي وظلم الأنفس في الأشهر الحرم فبلا شك أننا مأمورون بالطاعات، يعني: كما أن هذا في جانب المعاصي، كذلك في جانب الطاعات، فهذا مما يفيدنا أن للأشهر الحرم مزيد حرمة، وأنها مختصة بحرمة زائدة، فنحن نهينا عن ظلم أنفسنا في كل وقت، لكن خص ذلك في الأشهر الحرم لما لها عند الله سبحانه وتعالى من الحرمة المضاعفة.

فإذا كان يفترض بنا أن نتهيأ منذ زمن لاستقبال شهر رمضان، فغيرنا يستعد لرمضان من العام إلى العام، فالفنانون والممثلون وهؤلاء الناس يستعدون لرمضان المقبل بمجرد انتهاء رمضان الماضي؛ يستعدون له حتى يقطعوا الطريق إلى سبحانه وتعالى على عباد الله، ويدأبون سنة كاملة حتى يأتي الشهر القادم، فنحن أولى أن نستعد لاستقبال هذا الشهر العظيم، بمدارسة القرآن الكريم وبمراجعته وحفظه وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، فتعظيم شهر رجب عن طريق الصيام، والتدرب على الصيام والقيام فيه ما أمكن لا شك أنه يعتبر نوعاً من التهيؤ والاستعداد حتى إذا ما أتى شعبان ثم رمضان يكون الإنسان قد أمكنه أن يستغل هذه الفرصة إلى أقصى ما يستطيع، فإن شهر رجب هو مفتاح وبداية أشهر الخير والبركة.

قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى: شهر رجب شهر الزرع- يعني: الذي توضع فيه البذور- وشهر شعبان شهر السقي للزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.

وعنه قال: مثل شهر رجب مثل الريح، ومثل شعبان مثل الغيث، ومثل رمضان مثل المطر، فشهر رجب هو شهر تأتي فيه الريح، وتنقل السحاب وتحركه إلى البلاد التي ستسقى، ثم شهر شعبان هو شهر الغيث، يعني: تكون السحاب، ثم شهر رمضان هو شهر نزول الخيرات والغيث للعباد، يقول بعض العلماء: بيض صحيفتك السوداء في رجب لصالح العمل المنجي من اللهب شهر حرام أتى من أشهر حرم إذا دعا الله داعٍ فيه لم يخب طوبى لعبد زكا فيه له عمل فكف فيه عن الفحشاء والريب

<<  <  ج: ص:  >  >>