للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب انتصار المسلمين على الفرس والروم في زمن قصير]

لقد دهش المؤرخون للسرعة التي أقام بها المسلمون دولتهم، وانهارت بها أمامهم الإمبراطوريتان العظيمتان في ذلك الوقت، ولم يدرك الكثير منهم سر عظمة هذه الأمة الناشئة الذي يكمن في المدد الرباني لهؤلاء المجاهدين، والمدد الرباني لا يقتصر على المدد الإلهي بالملائكة {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:١٢]، لكن أتاهم إمداد الله سبحانه وتعالى بمفاهيم وقيم ومقومات أهلتهم لقيادة البشرية، فالمسلمون الأوائل لما قادوا البشرية ما تم هذا الأمر بخبط عشواء أو فلتة، وإنما كان بمؤهلات وبمسوغات استحقوا بها إمامة البشرية، فهذه المقومات والمفاهيم والقيم والمؤهلات انتزعوا القيادة من قيم هابطة ومفاهيم متخلفة وعقائد فاسدة ومثل مهترئة، فقد كانت المواجهة صراعاً بين حضارتين مختلفتين كل الاختلاف في القيم والمفاهيم والمنطلقات، وكان من الطبيعي أن تسري سنة الله عز وجل في خلقه ويمضي قانونه المحكم في أن البقاء للأصلح {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:١٧].

فلنطالع الآن صوراً من هذه المواجهة بين الحضارتين، والتي حسمت نتيجة الصراع قبل المواجهة المسلحة لصالح حزب الله المصلحين، فمن يقارن بين الحضارة الإسلامية والقيم الإسلامية والدعوة الإسلامية وبين ما كان عليه الفرس أو الروم في ذلك الوقت يجد أن النتيجة محسومة مسبقاً، وأنها قطعاً في صالح المسلمين قبل أن يتم التصادم الحربي.

وهذه النماذج نحن نحتاج إليها جداً في هذا الزمان في مواجهة الغرب الذي يمثل العدو الأول للإسلام، والغرب يدرك هذه الحقائق جيداً، ولكن للأسف أن المسلمين لا يقرءون ولا يلتفتون إلى هذه الأشياء، وهم يعرفون جيداً أن هذه الأمة لو مكنت أو تمكنت من إعادة تحكيم الإسلام من جديد، ولو نفخ فيها روح الإسلام من جديد لما وقفت أمامها قنابل نووية ولا هيدروجينية ولا صواريخ ولا شيء، إنهم يعرفون ذلك جيداً، ولذلك لما حددوا أن عدوهم الأول هو الإسلام لم يكن ذلك اعتباطاً، بل هو عن دراسة، وهم يدرسون تاريخنا بمنتهى العمق، ويعرفون طبيعة هذا الدين، ويعرفون أنه الدين الوحيد القادر على أن يحيي هذا الموات وأن ينفخ الروح من جديد في هذه الأمة، وهذا مجرب من قبل وحتى الآن.

فمثلاً: المجاهدون الأفغان انتصروا على الروس بأشياء يسيرة جداً، وحالهم معروف لا يخفى على أحد، ومع ذلك استطاعوا أن يكونوا مسماراً قوياً في نعش الدب الأحمق، ولا نقول الآن الدب الأحمر، فقد ذهبت الحمرة وبقي الحمق، فهذا الدب الأحمق ذل واستصغر وهان وانهار وتحطم وصار أضحوكة للعالم وعبرة من العبر، ومزقهم الله سبحانه وتعالى شر ممزق على يد هؤلاء المجاهدين الضعاف، وما زالوا حتى اليوم -أيضاً- يمزقون على يد المسلمين في الشيشان رغم ضعفهم بالنسبة لهذا الدب الأحمق.

وهكذا أيضاً بالنسبة للغرب، فهو يعرف جيداً أن الإسلام هو عدوه الأول؛ لأنه هو الوحيد القادر على أن يتحداه حضارياً، فأنت إذا قارنت بين أحكام الإسلام وأهداف الإسلام وغايات الإسلام ووسائل الإسلام ورسالة الإسلام وبين ما عليه الغرب فالمعادلة محسومة قطعاً، فالغرب يقيم حضارته على القيم الكاذبة التي يسمونها زوراً حقوق الإنسان، ومن خلالها يستعبدون الأمم، فأمريكا الآن تعيث في الأرض فساداً بهذه الشعارات الكاذبة، وهي -في الحقيقة- عدو الإنسان الأول، فالقيم التي عندهم هي تهديم الأسرة، وشيوع الفواحش، وتحلل الروابط الاجتماعية، والظلم والقهر والاستعباد الموجود في العالم الغربي، وهذا يعرفه جيداً من يعيش بينهم ومن يخبر عن أحوالهم، فالبديل الوحيد الذي يمكن أن يحل محل الغرب في قيادة البشرية بجدارة وتأهل وبمقومات حقيقية لا وهمية هو الإسلام، وهم يعرفون ذلك جيداً، وهذا هو سر محاولتهم الآن تطبيق مبدأ: (الوقاية خير من العلاج)، فيحاولون تجفيف منابع الإسلام، ويحاولون غسل مخ المسلمين، ويلهونهم حتى لا تبقى لهم قضية، وحتى لا يصلحوا لا للجهاد ولا للدفاع ولا أن يعيشوا لمبدأ، بل الذي يكون عندهم هو الأفلام والفنانون والرياضة والدش والتلفزيون واللهو والغناء، وغير ذلك من السفاهات حتى لا يبقى هناك قضية، فالذي ينظر إلى أحوال المسلمين اليوم هل سيعتبرهم الذين نزل فيهم القرآن؟! هل هؤلاء هم الذين بعث فيهم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! ما هذه الأحوال التي نرى عليها الشباب والبنات من الفسوق والعصيان؟! هل هؤلاء هم خير أمة أخرجت للناس؟! هل هؤلاء أحفاد أبي بكر وعمر وخالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم من المجاهدين والأبطال؟! إنهم يريدون أن يقطعوا صلتنا بهذا المدد، كي لا ندرك ذاتنا، وكي لا نعود لنهددهم بالخطر من جديد.

وبالرغم مما نحن فيه من ضعف إلا أنك إذا قارنت بين الحضارتين فأي إنسان منصف سيحسم النتيجة قطعاً لصالح الإسلام قبل أن تحسم بأي وسيلة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>