للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرف الانتساب إلى النبي عليه الصلاة والسلام]

الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم شرف عظيم، لكن ينبغي ممن رزقه أن لا يجعله عائقاً عن التقوى، ويدنسه بمتابعة الهوى، فالحسنة في نفسها حسنة وهي لبيت النبوة أحسن، والسيئة في نفسها سيئة وهي من أهل بيت النبوة أسوأ، وقد يبلغ اتباع الهوى بذلك النسيب الشريف إلى حيث يستحيي أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فربما ينكر نسبه، قيل لشريف سيئ الأفعال: قال النبي مقال صدق يحلو لدى الأسماع والأفواه إن فاتكم أصل امرئ ففعاله تنبيكمو عن أصله المتناهي وأراك تسفر عن فعال لم تزل بين الأنام عديمة الأشباه وتقول إني من سلالة أحمد أفأنت تصدق أم رسول الله ولا يلومن الشريف إلا نفسه إذا عومل حينئذ بما يكره، وقدم عليه من هو دونه في النسب بمراحل، كما يحكى أن بعض الشرفاء من آل البيت في بلاد خراسان كان أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه كان فاسقاً ظاهر الفسق، وكان هناك مولى أسود تقدم في العلم والعمل، فأكب الناس على تعظيمه، فاتفق أن خرج يوماً من بيته يقصد المسجد فاتبعه خلق كثير يتبركون بمصاحبته وبعلمه، فلقيه الشريف وهو سكران، فكان الناس يطردونه عن طريقه، فغلبهم وتعلق بأطراف الشيخ وقال: يا أسود الحوافر والمشافر! يا كافر ابن كافر! أنا ابن رسول الله أذل وأنت تجل! وأهان وأنت تعان! فهم الناس بضربه، فقال الشيخ: لا تفعلوا، هذا محتمل منه لجده رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعفو عنه وإن خرج عن حده، ولكن أيها الشريف! بيضت باطني وسودت باطنك، فغلب بياض قلبي سواد وجهي فحسنت، وغلب سواد قلبك بياض وجهك فقبحت، وأخذتُ سيرة أبيك، وأخذتَ سيرة أبي، فرآني الخلق في سيرة أبيك ورأوك في سيرة أبي، فظنوني ابن أبيك، وظنوك ابن أبي، فعملوا معك ما يعمل مع أبي، وعملوا معي ما يعمل مع أبيك.

ولهذا قيل: ولا ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهلة أي: لا ينفع الاتكال على ذوي الخصال الرفيعة إذا كانت النفس في حد ذاتها باهلية رديئة ومن الكمالات عرية، كما يقول البحتري: ولست أعتد للفتى حسباً حتى يرى في فعاله حسبه.

والباهلي نسبة إلى باهلة، وباهلة اسم امرأة من همدان، نسب ولدها إليها فقيل لهم باهلة، وكان أهل قبيلة باهلة مشهورين بالخساسة، قيل: كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية.

أي: فضلات الطعام يعيدون أكلها مرة ثانية، وكانوا يأخذون عظام الميتة فيطبخونها ويأخذون دسوماتها، ويأخذون شحم الميتة ويطبخون به، فاستنقصتهم العرب جداً، حتى قيل لأعرابي: أيسرك أن تكون من أهل الجنة وأنت باهلي؟ قال: بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني من باهلة! وليس كل باهلي كذلك، بل فيهم الأجواد، فكون فصيلة منهم أو بطن صعاليك فعلوا ما فعلوا لا يسري ذلك في حق الكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>