للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى.

أمة الإسلام: اشكروا الله على ما مَنَّ به عليكم أن بعث فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آيات الله بينات، ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، رسولاً أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات الجور والإساءة إلى نور العدل والإحسان، ومن ظلمات الفوضى الفكرية والاجتماعية إلى نور الاستقامة في الهدف والسلوك، ومن ظلمات القلق النفسي وضيق الصدور إلى نور الطمأنينة وانشراح الصدور.

يقول الله جل وعلا: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:٢٢] ويقول الله جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم:١ - ٢].

أيها المسلمون! لقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم والناس يتخبطون في الجهالات، ففتح لهم أبواب العلم في معرفة الله تعالى، وما يستحقه من الأسماء والصفات، وماله من الأفعال والحقوق، وفتح لهم أبواب العلم في معرفة المخلوقات في المبدأ والمنتهى والحساب والجزاء، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:١٢ - ١٦].

لقد فتح الله لعباده ببعثه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أبواب العلم في عبادة الله تعالى، وفتح لهم أبواب السير إلى الله تعالى، وفتح لهم أبواب العلم في السعي في مناكب الأرض، وابتغاء الرزق الحلال بوجهه المشروع، فما من شيء يحتاج الناس إلى معرفته من أمور الدين والدنيا إلا بين لهم ما يحتاجون إليه، حتى صاروا على طريقة بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتيه فيها إلا أعمى القلب.

لقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والناس منغمسون في شتى أنواع الشرك فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد المسيح بن مريم، ومنهم من يعبد العزير، ومنهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الحجارة، حتى كان الواحد منهم إذا سافر ونزل أرضاً، أخذ منها أربعة أحجار، فيضع ثلاثة منها تحت القدر وينصب الرابع إلهاً يعبده من دون الله! الله أكبر يا لها من عقول أسخفها!

فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ينقذهم من هذه الهوة الساحقة؛ من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فحقق التوحيد لرب العالمين تحقيقاً بالغاً، وذلك بأن تكون العبادة لله وحده، يتحقق فيها الإخلاص لله بالقصد والمحبة والتعظيم، فيكون العبد مخلصاً لله في قصده ومحبته وتعظيمه، وظاهرة وباطنة، لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله تعالى، والوصول إلى دار كرامته، ويسير على ذلك النهج مستدلاً بقول الحق جل وعلا: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

وممتثلين لقول الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:٥٤] ومستجيبين لله حيث ناداهم بقوله: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} [الحج:٣٤].

هكذا جاء كتاب الله تعالى يحث على التوحيد والإخلاص، ثم تلته سنة المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق التوحيد وإخلاصه، وتخليصه من كل شائبة، وسد كل طريق يمكن أن يوصل إلى ثلم هذا التوحيد أو إضعافه، حتى إن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت.

فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: {أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده} فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل أن يقرن مشيئته بمشيئة الله تعالى بحرف يقتضي التسوية بينهما، وجعل ذلك من اتخاذ الند لله عز وجل، واتخاذ الند لله عز وجل إشراك به.

وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلف الرجل بغير الله، وجعل ذلك من الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك}.

وذلك لأن الحلف بغير الله تعظيم للمحلوف به بما لا يستحقه إلا الله عز وجل، فلا يجوز للمسلم أن يقول عند الحلف: والنبي، أو وحياة النبي، أو والكعبة، أو والأمانة، أو وحياتك، أو وحياة فلان بل يحلف بالله وحده أو ليصمت.

ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يلقى أخاه فيسلم عليه أينحني له؟ فقال: لا.

فمنع صلى الله عليه وسلم من الانحناء عند التسليم.

انتبهوا يا أمة الإسلام! يا من إذا لقيتم إخوانكم انحنيتم لهم! انتبهوا لذلك يا من تدعون الإسلام! فإن ذلك قد حرمه الإسلام، فقد منع النبي صلى الله عليه وسلم الانحناء عند التسليم؛ لأن ذلك خضوع، والخضوع لا ينبغي إلا لله رب العالمين، فهو سبحانه وحده الذي يُركع ويُسجد له، وكان قبل الإسلام السجود عند التحية جائزاً في بعض الشرائع السابقة، ولكن هذه الشريعة الكاملة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم منعت من السجود لغير الله، وحرمته إلا لله تعالى وحده.

وفي الحديث: {أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قدم الشام، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم -أي: زعماؤهم- وذلك قبل أن يسلموا، فلما رجع معاذ رضي الله عنه سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معاذ ما هذا؟! فقال معاذ رضي الله عنه: رأيتهم يسجدون لأساقفتهم وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله -أي: أحق من أساقفتهم بالسجود- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها} وذلك لعظم حقه عليها.