للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اللواط وعقاب الله لمن قارفه]

وهذا لوط عليه السلام بعثه الله إلى قومه، وهم قومٌ عُثاة، قومٌ أشر خلق الله، يدعوهم إلى التوحيد، ويحذرهم من فعل فاحشة لم يسبقهم إليها أحدٌ من العالمين، فاحشة شنيعة، ألا وهي جريمة قوم لوط، إنها الجريمة القبيحة التي تلبس بها كثير من الناس في هذا الزمان، إنها إتيان الذكور دون الإناث، فعلتها أمة لوط التي لم تُسبق لمثل هذه الفعلة، وهذه الجريمة الفظيعة، وكانوا يفعلونها علناً في نواديهم، ويذرون ما خلق الله لهم من أزواج، ولا يبالون بمن يمقتهم ويعتب عليهم، ولا يبالون بمن يشنع، وقد حذرهم لوط عليه السلام من فعل هذه الفاحشة، وكان الجواب من أولئك الكفرة: {أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:٥٦] يقولون هذا ومقصودهم السخرية والتهكم بلوط عليه السلام، فلما أنذرهم بأس الله ونقمته لم يلتفتوا إلى ذلك، ولا أصغوا إليه، بل شكوا فيه، وتماروا به.

وقد أرسل الله عزَّ وجلَّ إلى لوط عليه السلام ملائكة بصفة حسنة، جبريل وميكائيل وإسرافيل في صور شباب مُرد حِسان، محنة من الله واختباراً لقوم لوط، فأضافهم لوط عليه السلام وهو خائف عليهم من قومه، ولكن زوجة السوء، العجوز الشريرة بعثت إلى قومها، فأعلمتهم بأضياف لوط عليه السلام، فأقبلوا يُهرعون إليه من كل مكان، يريدون أولئك الشباب المُرد الحِِسان، وأغلق لوط دونهم الباب، فجعلوا يحاولون كسر الباب -وذلك عشية- ولوط عليه السلام يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه، ويقول لهم: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر:٧١] أي: نساءهم {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود:٧٩] أي: ليس لنا فيهن إِِرَب (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) [هود:٧٩].

فلما اشتد الحال، وأبوا إلا الدخول على لوط عليه السلام خرج عليهم جبريل عليه السلام، فضرب أعينهم بطرف جناحه، فانطمست أعينهم، يُقال: إنها غارت من وجوههم، ويُقال: إنه لم تبقَ لهم عيون بالكلية، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان، ويتوعدون لوطاً عليه السلام إلى الصباح، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:٣٧].

أما لوط فقد جاءته الملائكة تأمره بالخروج من بين أظهر أولئك؛ لأن العذاب قد حان نزوله بهم، فخرج لوط عليه السلام ومن معه آخر الليل، فنجا مما أصاب قومه، ولم يؤمن بلوط عليه السلام من قومه أحد، ولا رجل واحد حتى امرأته أصابها ما أصابهم، فخرج هو وبناته من بين أظهرهم سالماً، عند ذلك حل بهم بأس الله جلَّ وعلا، وحق عليهم العذاب، وهو أن الله جلَّ وعلا أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع ديارهم بجناحه، ثم رفعها إلى عنان السماء، حتى سمعت الملائكة صياح الديكة، ونباح الكلاب، ثم قلبها عليهم، وأتبعهم حجارة من سجيل منضود، فتلكم هي قرية سدوم التي أصابها ما أصابها، من القلب الصوري والمعنوي، والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة، بطريق مهيعٍ، مسلكه مستمرٌ إلى اليوم، وهو المعروف بـ البحر الميت، الذي لا يعيش فيه شيء، قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:٧٣ - ٧٥] لماذا فعل الله بهم ذلك يا عباد الله؟

لأنهم كانوا يأتون الذكران من العالمين، يرتكبون الجريمة الشنعاء، الذكر يركب الذكر، استغنوا بذلك عن النساء وعما أحل الله لهم، أي جريمة أقبح من هذه الجريمة؟!

ثم أتدرون لماذا ذكر الله لنا أخبارهم في كتابه العزيز، وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ذكرهم الله لنا لنعتبر بما أصابهم، ونحذر كل الحذر مما كانوا عليه من سوء الحال، وقبح الفعال.

حقاً يا عباد الله! إن هذه الجريمة التي عملها قوم لوط جريمة بشعة؛ لما فيها من مخالفة العقل والدين، وما فيها من خطر ومرض وشر مستطير، وخزيٍ وعار.

إنه في الحقيقة فعل تترفع عنه طباع الكلاب والبغال والحُُمُر، إنه ركوب الذكر على الذكر، إنها جريمة قوم لوط، ما ظهرت في أمة إلا ذلت وأخزيت وسُلب عزها، وإذا أراد الله جلَّ وعلا إهلاك قرية فسق فيها المترفون فاستحقت الخراب والدمار.

فانتبهوا يا عباد الله وتناصحوا، واحذروا من هذه الجريمة البشعة، فقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، والله جلَّ وعلا قال: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣] لما ذكر عقوبة قوم لوط ذكر الله أن عقوبتهم ليست ببعيد ممن يفعل هذه الجريمة البشعة، هذه الجريمة الخبيثة، وهي ركوب الذكر على الذكر، يقول صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به} الله أكبر يا عباد الله! إنها جريمة بشعة؛ لذلك أكثر الصحابة اتفق رأيهم على تحريق اللوطي؛ لأنه جرثومة خبيثة مفسد في الأرض؛ ولذلك -يا عباد الله- يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[اللوطي إذا مات من غير توبة، فإنه يُمسخ في قبره خنزيراً]] والعياذ بالله، ثم يوم القيامة عندما يبعث الخلائق، عندما يقوم الناس لرب العالمين، ناهيك به من عار على وجه هذا اللوطي، الذي عمل جريمة اللواط، يُعرف بها يوم القيامة، عندما يُسحب إلى النار، ومن تاب تاب الله عليه.