للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبادرة بالتوبة قبل حلول الأجل]

الحمد لله الملك القهار، العزيز الجبار، خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسه من لغوب، أحمده وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أقوم الناس طاعةً بفعل المأمور وترك المحظور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل ما دمتم في وقت الإمهال، وبادروا بالتوبة النصوح قبل حلول الآجال، قبل إسبال الحجاب وطي الكتاب على ما فيه، بادروا قبل طلوع الشمس من المغرب، فإنها آية من أكبر الآيات الدالة على قيام الساعة، فبادروا بالتوبة -يا عباد الله- امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} [التحريم:٨] رب العالمين يناديكم يا عباد الله! أرحم الراحمين يناديكم باسم الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:٨].

ما هي التوبة النصوح؟

هي: توبة صادقة جازمة، تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب، وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات، فإن العبد إذا تاب وأقبل على الله، وندم على ما فات، فإن الله وعده بقبول توبته، فقال وقوله الحق: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ} [الشورى:٢٥] سبحان الله العظيم! لا إله إلا الله {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:٢٥].

ومهما عملت أيها العبد من الذنوب والخطايا، ثم تبت منها، فإن الله يغفرها ولا يبالي، فاسمع قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣].

فبادر يا أخيّ! بادر استجابةً لله عز وجل، بادر بالتوبة والإنابة، فإن الله يقول: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:٥٤] فالمصيبة إذا حلَّ العذاب يا أمة الإسلام! {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:٥٤] ثم يحثنا ربنا جل وعلا باتباع أحسن ما أنزل إلينا، فإننا إذا تمسكنا بالكتاب والسنة، وسرنا على نهجهما، فإن في ذلك الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة، وأما إذا أعرضنا وابتعدنا عن الكتاب والسنة؛ فلا تأمنوا العذاب أن يأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون، وذلك مصداق قول الله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:٥٥].

فعند نزول العذاب، يبدأ الإنسان يتحسر ويندم في حين لا ينفع الندم، ويقول فيما أخبر الله عنه: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:٥٦ - ٥٨] قال الله تعالى رداً عليها: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:٥٩].