للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغفلة عن يوم القيامة]

عباد الله: لو تذكرنا ذلك اليوم العظيم؛ لقَوِيَ الإيمان عندنا، ولكن -مع الأسف الشديد- الغفلة طمت على القلوب -يا عباد الله- كل يوم نسمعها، كل يوم نسمع هذا اليوم العظيم يكرر علينا ونكرره أيضاً في كل نافلة وفي كل فريضة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] ما هو يوم الدين؟ يوم الجزاء والحساب -يا عباد الله- يوم القارعة، يوم الصاخة، يوم الحاقة، يوم الطامة الكبرى، يوم الواقعة، يا له من يوم عظيم!

يا ابن آدم! تذكر وأنت واقفٌ في ذلك الموقف العظيم، مع الخلائق الذي لا يعلم عددهم إلا الله، إذا نودي باسمك على رءوس الخلائق من بين الأولين والآخرين، فقمت ترتعد فرائصك، فهنيئاً إن كنت من أصحاب اليمين، عندما ترفع هذه الصحيفة التي سوف تأخذها بيمينك، هنيئاً لك عندما تقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:١٩ - ٢٠] ثم هنيئاً لك في جنةٍ عالية قطوفها دانية، يقال لأهلها: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٤] ويالها من حسرةٍ وندامة، عندما يعطى كتابه بشماله أو من وراء ظهره، عندما يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٥ - ٢٩] يالها من حسراتٍ لا تنقضي إذا قال الجبار جل جلاله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:٣٠ - ٣٢] هنيئاً لأهل الجنة عندما يذبح الموت، ويقال لهم: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا ويل أهل النار عندما يقال: يا أهل النار خلود ولا موت.

عباد الله: في نهاية هذا الكلام الذي أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم به، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، في نهايته أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وكثرة قراءة القرآن، وكثرة ذكر الله عز وجل، فإنه بكثرة ذكر الله تحيا القلوب وتلين، أما إذا غفلت عن ذكر الله وأعرضت وصدت، فلا تسأل عنها بأي وادٍ تهلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الإخوة في الله: قووا عزيمتكم وإيمانكم، وتوكلكم بالله جل وعلا، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى هو النافع والضار بيده الملك وهو على كل شيء قدير، هو المحيي وهو المميت، وهو المعز والمذل، وهو الخافض والرافع، يعطي ويمنع، يعطي لحكمة ويمنع لحكمة، لا إله إلا هو، ولا رب لنا سواه.

عباد الله: أوصيكم ونفسي بالمبادرة إلى أداء فرائض الله عز وجل، وإتباعها بالنوافل حتى تكونوا من أحباب الله، كما قال الله جل وعلا في الحديث القدسي الذي يرويه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه -ثم يقول جل وعلا-: وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه} {وإذا أحبك الله -يا عبد الله- ينادي الله في ملكوت السماء: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، وينادي جبريل في ملكوت السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض، ولكن الأخرى -يا عبد الله- إذا أبغض الله عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، وينادي في ملكوت السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء وتوضع له البغضاء في الأرض}.

فالله الله يا إخواني في الله بالمبادرة بطاعة الله عز وجل وإلى كثرة ذكر الله وبر الوالدين وصلة الأرحام، وإفشاء السلام فيما بيننا، يقول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم} أفشوا السلام بينكم يا عباد الله.

اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام واجعلنا هداةً مهتدين، متحابين فيك متراحمين، اللهم اجعلنا ممن ذكرهم رسولك صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله} اللهم اجعلنا من الذين قال فيهم رسول الله: {فطوبى للغرباء، قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس} اللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.