للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الجاهلية إبان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم]

الحمد لله رب العالمين، وأشكره على نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد

فيا عباد الله! أمة الإسلام! اتقوا الله عز وجل، ولا يخفى عليكم أن الله عز وجل بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى البشرية جمعاء، بعثه رحمةً منه وإحساناً، ليخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم.

أيها المسلمون! لقد كانت العرب قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء، وشقاءٍ ما بعده شقاء، يعبدون الأصنام ويئدون البنات، ويسفكون الدماء بأدنى سببٍ وبلا سبب، كانوا في ضيق من العيش، وفي نكدٍ وجهدٍ من الحياة، يعيشون عيشة الوحوش ومع الوحوش، يتحاكمون إلى الكهان والطواغيت، فلما جاء الله بهذا الإسلام، وجاء بهذا النبي الأمي الكريم صلى الله عليه وسلم، أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، أخرجهم من ظلمة الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد، ومن ظلمة الجهل والطيش إلى نور العلم والحلم، ومن ظلمة الجور والبغي إلى نور العدل والإحسان، ومن ظلمة التفرق والاختلاف إلى نور الاتفاق والوئام، ومن ظلمة الأنانية والاستبداد إلى نور التواضع والتشاور، ومن ظلمة الفقر والجهل إلى نور الغنى والرخاء، بل أخرجهم من ظلمة الموت إلى الحياة السعيدة، أكمل الله به الدين، وأتم به مكارم الأخلاق؛ لأنه يأمر بعبادة الله الواحد القهار الذي أمره الله به لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يأمر ببر الوالدين، وبصلة الأرحام، ويأمر بالإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، وبالتحاكم فيما بيننا وفيما تنازعنا فيه إلى الله ورسوله.

ما من خير إلا ودل الأمة عليه، ولا شر إلا وحذر أمته منه، أخبر بما كان وما يكون إلى يوم بعث الأبدان من القبور، رسم للأمة طريق السعادة في الدنيا والآخرة في سياستها الشرعية التي يعجز كل أحدٍ أن يأتي بناحيةٍ من نواحيها، فرسم للأمة طريق السياسة مع الأعداء، وبيَّن لأمة الإسلام كيف يقاتلون أعداء الإسلام، وبيَّن لهم كيف يعاملون أعداء الإسلام، وبيَّن لهم الطرق من الحرب وغيرها من السلم ووجوبه، ومن المعاهدات والصلح وحفظ العهود.

لقد أوجب عليهم الاستعداد بكل قوة لردع الأعداء وإرهابهم بالآلات الحربية، كالطائرات والدبابات والصواريخ وغيرها، ومما يوحد ويزيد المسلمين قوة أمره لهم أن يأخذوا كل نهضتهم، وقبل أن يأخذوا تلك القوة المذكورة عليهم أن يأخذوا القوة المخرقة للأعداء.

ما هو يا أمة الإسلام ذلك السلاح الفتاك بالأعداء؟ ما هو يا عباد الله؟ هو الإيمان بالله الحي القيوم.