للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة إلى تدبر القرآن في شهر رمضان]

أيها الإخوة في الله! أنتم الآن في هذا الشهر المبارك، وتتلون كتاب الله عز وجل، فإذا مررتم بهذه الآيات العظيمة التي فيها أسماء القيامة فيقف الإنسان عندها، فإنها التي تهز القلوب هزاً.

قف عند قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:١ - ٣] قف عند هذا الاسم العظيم، ثم ارجع إليه في التفسير، وانظر ماذا يقول العلماء في تفسير هذه الكلمات، قف عند قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:٨].

متى هذا يا أخي؟! هذا يوم القيامة {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:٩] يوم تختبر السرائر وتظهر علانية على رءوس الأشهاد.

ثم تفكر -يا أخي- في هذا الصراط هل أنت من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل البرق الخاطف، ومنهم كالريح، ومنهم كأجاود الخيل، ومنهم كأشد الرجال عَدْواً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يحبو حبواً} ولا يستطيع العبور على الصراط بسرعة إلا الذي يسارع بالأعمال الصالحة إلى الله عز وجل.

وكما قلت لكم في أول الكلام: إن التقوى هي الزاد الذي ينجو به الإنسان يوم القيامة، اسمع قول الله تعالى، اسمع الصراط يا عبد الله! {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:٧١] كلنا علمنا الورود لكن ما علمنا الصدور، ولكن الله سبحانه وتعالى أخبر من الذي يصدر ممن وردوا قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:٧٢].

تذكر -يا عبد الله- جهنم وهي تزفر تحت الصراط، تذكر تلك الكلابيب التي يختطف بها من يزحف على الصراط زحفاً، تذكر جنهم، وأهل جنهم وهم في أوديتها يهيمون، يأكلون الزقوم والضريع الذي ينشب بالحلوق، تذكر أهل جهنم وهم يشربون الصديد، تذكر أهل جهنم وهم يسحبون في أوديتها بالأغلال، تذكر أهل جهنم وعندهم الحيات والعقارب التي هي أمثال البغال، تذكر أهل جهنم وهم في أوديتها يهيمون ويصرخون والملائكة تضربهم بمقامع من حديد وهم ينادون: يا مالك! قد أثقلنا الحديد، يا مالك! اشتد علينا العذاب، ثم يجيبهم الله بعد زمن فيقول: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨].

ثم تذكر -يا عبد الله- أهل الجنة وهم في ذلك النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول، تذكر وهم يفجرون تلك الأنهار, وهم في تلك القصور العالية، وعندهم الحور الحسان، وتذكر زيارتهم للملك العلام، تذكر ذلك اليوم العظيم إذا كشف الرب لهم عن وجهه لينظروا إليه، فهو والله يوم المزيد.

اللهم اجعلنا من أهل الجنة, ولا تجعلنا من أهل النار برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.