للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه]

الحمد لله الذي اختص بالتفضيل والتشريف بعض مخلوقاته، وأودع فيها من عجائب حكمه وبدائع مصنوعاته ما شهدت العقول السليمة بأنه من أكبر آياته، خلق فقدر، وملك فدبر، وشرع فيسر، وربك أعلم حيث يجعل رسالاته.

أهَّل من شاء لما شاء من الخيرات، ويسر عليه نيل أسباب الكرامات، وهو أعلم بمواضع اختياره وكراماته.

أحمده سبحانه وأشكره على جزيل إحسانه وعظيم هباته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وكمالاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من جميع برياته.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه.

عباد الله! إليكم نبذةً يسيرةً عن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام الذي آتاه الله رشده في صغره، وابتعثه الله رسولاً واتخذه خليلاً في كبره، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء:٥١] وكانت أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام كما أخبر الله عنه بقوله جلَّ وعلا: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} [مريم:٤١ - ٤٥] فلما عرض إبراهيم هذا الرشد على والده، وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه، ولا أخذها منه، بل تهدده وتوعده، قال: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم:٤٦].

فعندها قال له إبراهيم عليه السلام: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} [مريم:٤٧] وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة:١١٤] فعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترةٌ وغبرةٌ، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا ربِّ إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزيٍ أخزى من أبي الأبعد، فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم! ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذبح ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه، فيلقى في النار} رواه البخاري.