للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاولة إحراق إبراهيم عليه السلام]

كم حصل لإبراهيم من المناظرات مع قومه، ولكن الله نصره وأيده وأظهره على قومه، فقد أنكر على قومه عبادة الأوثان، وحقرها عندهم وصغَّرها وتنقَّصها، فوثب عليه قومه وصارت المخاصمة والمناظرة بينه وبينهم، فلجئوا إلى القوة لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء:٦٨] فكادهم الرب جلَّ جلاله، وأعلى كلمته ودينه وبرهانه، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:٦٩ - ٧٠] وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن؛ حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت نذرت أنها إن عوفيت من مرضها لتحملن حطباً لحرق إبراهيم، ثم عمدوا إلى جوبةٍ عظيمةٍ، فوضعوا فيها ذلك الحطب وأضرموا فيها النار، فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شررٌ لم يُرَ مثله قط، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجلٌ من الأكراد يقال له هيزل، وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدون إبراهيم عليه السلام ويكتفونه في الحبال وهو في كفة المنجنيق، وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، فلما ألقوه في النار، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.

قال بعض السلف: [[إنه عرض لإبراهيم جبريل وهو في الهواء، فقال: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ فقال: أما إليك، فلا]] ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ملك المطر قال: [[متى أؤمر، فأرسل المطر لأطفئ النار عن إبراهيم؟]] ولكن رحمة أرحم الراحمين أسرع من كل شيء، إذ قال رب العزة والجلال: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[معنى سلاماً: لا تضريه]] وقال بعض المفسرين: لولا أن الله قال: {وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] لأذى إبراهيم بردها، وصار إبراهيم في مثل الجوبة حوله نار، وهو في روضة خضراء والناس ينظرون إليه، ولا يقدرون الوصول إليه، ولا هو يخرج إليهم، ونظر إليه والده، ولم يتكلم بكلمة طيبة سوى هذه الكلمة، فقال: نِعم الرب ربك يا إبراهيم، ومكث إبراهيم في ذلك المكان أربعين يوماً، أو خمسين يوماً، ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام: [[ما كانت أياماً وليالي أطيب عيشاً منها، إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل ذلك]].