للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حادثة الذبح والفداء]

لمّا هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فبشره الله تعالى بغلامٍ حليم، وهو إسماعيل عليه السلام، وهو أول ولدٍ ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمره عليه السلام، فلما بلغ معه السعي؛ أي شب وترعرع وصار يسعى في مصالح أبيه؛ رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده إسماعيل، ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي، وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله بأن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر في السن، فامتثل أمر الله في ذلك، وسعى إلى طاعة رب العالمين، ثم عرض ذلك على ولده إسماعيل ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه من أن يأخذه قسراً، ويذبحه ظهراً قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:١٠٢] ما قال الغلام: أبتاه! أريد مشاورة أصدقائي، أريد أن أشاور الزوجة، بل بادر الغلام الحليم والده الخليل: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:١٠٢].

الله أكبر! لا إله إلا الله! هذا الجواب -يا عباد الله- في غاية التذلل والخضوع لأمر الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:١٠٣] أسلما أمرهما إلى الله، الوالد أسلم أمره لطاعة الله، والابن أسلم أمره لطاعة أبيه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:١٠٣] أي: ألقاه على وجهه، قال بعض المفسرين: أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده وهو يذبح فتدركه الرحمة، وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح، فبقي طرف جبينه لاصقاً في الأرض، وسمى إبراهيم وكبّر، وتشهد الولد للموت، وجعل إبراهيم يمرر السكين على حلق إسماعيل، الله أكبر! لا إله إلا الله! سبحانك اللهم وبحمدك، أنت العليم بعبادك يا رب!

وجعل إبراهيم يمرر السكين على حلق إسماعيل، ولم تقطع شيئاً، يقول بعض المفسرين: جُعل بين السكين والحلق نحاس، والله أعلم بذلك، فعند ذلك لما علم الله عز وجل صدق إبراهيم.

وصبر إسماعيل قال الله عز وجل: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} [الصافات:١٠٤ - ١٠٥] أي: قد حصل المقصود، ونجحت في الامتحان، وأخذت شهادة الامتياز، في طاعة رب العالمين، في مبادرتك إلى أمر ربك: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:١٠٦] أي: اختبار الله نبيه المبين.

عند ذلك فداه الله بذبحٍ عظيم، أي: جعل فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى من العوض عنه، وهو كبشٌ أبيض أعين، عظيم سواد العين، أقرن، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[كبشٌ قد رعى في الجنة أربعين خريفاً]].

فإبراهيم عليه السلام لطاعته لله وامتثال أوامره سماه الله عز وجل أمّة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٠] كذلك يُبعث يوم القيامة أمة واحدة.