للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقوبة تكذيبهم لنبيهم عليه السلام]

ولما تبرأ منهم عليه السلام ومن أعمالهم، وأنهم كذبوه، أخبر الله عنهم فقال: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:١٨ - ٢٠].

اسمعوا يا عباد الله، أيها المتكبرون! يا من لا تلين قلوبهم! اسمعوا كلام الله: {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:٢٠] وقبل أن يحل بهم العذاب أمسك الله عليهم المطر ثلاث سنين، حتى أصابهم الوحل، ثم أنشأ الله سحابات ثلاثاً: بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى كبيرهم الذي ذهب يستسقي لهم في جبال تهامة، ناداه منادٍ من السماء: اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب، فقال: اخترت السحابة السوداء؛ فإنها أكثر السحاب ماءً.

فناداه مناد: اخترت رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً يترك ولا ولداً، إلا جعلته همداً.

وساق الله السحابة السوداء التي اختارها بما فيها، فخرجت عليهم من وادٍ يقال له المغيث، ولما رأوها استبشروا {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:٢٤] قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف:٢٤] هذا هو الذي تحادون الله به، هذا العذاب الذي تتحدون الله به: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف:٢٤ - ٢٥] إنها ريح فيها عذاب، رأت امرأة من قوم عاد يقال لها: مميت، فلما تبينت ما في هذه الريح صاحت ثم صعقت، فلما فاقت قالوا: ما رأيت يا مميت؟ قالت: ريحاً فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها.

فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، كما قال الله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:٦ - ٨] فتح الله عليهم من الريح قدر الخاتم، فأتت مع من يقودونها، فكانت الريح تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تمزقه على أم رأسه فتسلخ رأسه حتى تفصله من جثته.

نعم يا عباد الله! نعم يا أمة الإسلام! تلكم القصص في القرآن العظيم تسلية لإمام الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وتحذيراً للأمة المحمدية من أعمال أولئك الكفرة العصاة، حتى لا يسلكوا طريقتهم.

فالحذر الحذر يا عباد الله من المعاصي فإنها بريد الكفر! والحذر الحذر من الاغترار بهذه الدنيا وما فيها من الحطام الزائل!

اللهم أيقظنا من رقدة الغفلة، ووفقنا لما تحبه وترضاه، واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين.

اللهم أجرنا من عذابك، اللهم أجرنا من نقمتك، اللهم إنا نعوذ بوجهك العظيم وكلماتك التامة من غضبك ومن أليم عقابك، ومن شر عبادك.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.