للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

أخبر ربنا جل وعلا عن بني إسرائيل أنهم لما تركوا هذا الأمر، وتهاونوا فيه، ما الذي حل بهم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال الله جل وعلا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة:٧٨] لماذا لُعنوا؟ يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

اسمع: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩].

إذا حصلت المداهنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وترك الحبل على الغارب لأهل المعاصي ينشرون معاصيهم، ويبدون سيئاتهم ومعايبهم ومثالبهم عياناً بياناً، فما الذي يحصل؟ تحل اللعنة بدل الرحمة ولا حول لا قوة إلا بالله.

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كان فيمن قبلكم إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعذيراً، فقال: يا هذا اتق الله، فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربه، كما يراه على خطيئته بالأمس، فلما رأى الله عزَّ وجلَّ ذلك منهم، ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على لسان نبيهم داوُد وعيسى بن مريم {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة:٧٨]}.

وكما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أنه كان صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس، وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم} إذا حلت اللعنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الرحمة تُرفع ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأن اللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله.

فنقول لأهل الدكاكين: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتعاونوا مع رجال الهيئة على إزالة المنكر.

أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.

إخواني في الله: نحن والله على خطر خاصة في هذه السنين القليلة التي كثرت فيها آلات اللهو، وكثر فيه تبرج النساء وسفورهن، وكثرت فيه المخدرات والمسكرات، وظهرت فيه القَينات -أي: الأغاني- وكثر فيه قطيعة الرحم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك اسمع هذا الحديث الذي يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب فيصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير،} اللهم سلِّم سلِّم، يصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير!

قال بعض العلماء: إذا لم يُمسخوا حسياً مُسخوا معنوياً، إذا لم يُمسخ جسمُه مُسخ قلبه، صار قلبه كالخنزير أو كالقرد -والعياذ بالله- حتى يفقد الغيرة، لا يغار على محارمه، وتجده -والعياذ بالله- في أودية الهوى والغي يهيم، أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، إنه على كل شيء قدير، ثم قال أيضاً صلى الله عليه وسلم: {وليصيبنهم قذف وخسف حتى يصبح الناس فيقولون: خُسف الليلة بدار بني فلان، وخُسف الليلة ببني فلان، ولتُرْسَلَن عليهم حجارة من السماء كما أرسلت على قوم لوط، على قبائل فيها، ولتُرْسَلَن عليهم الريح العقيم، التي أهلكت عاداً} لماذا يُفعل بهم ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: {لشربهم الخمر، وأكلهم الربا، وضربهم الدفوف، واتخاذهم القينات، وقطيعتهم الرحم} نسأل الله العفو والعافية، إذا حصلت هذه الأمور فلا يأمنوا.

وفي يوم الثلاثاء (١٣/ ربيع الثاني) نشرت إحدى الجرائد المحلية أن بلدة تسمى تشيلي أُمْطِرت عليها حجارة من السماء، وقد قرأها من قرأها، وأنا والله ممن قرأ هذا، وقتل منهم (١٧) ويقول أحد المشاهدين وهو ينظر إلى تلك الحجارة تنزل، يقول: اندس تحت سيارة شاحنة، ورأى تلك الحجارة تنزل، ورأى امرأة تهرب من تلك الحجارة حتى أوت إلى جدار لتختفي تحته، فسقط عليها الجدار، وسقطت عليها الحجارة، وخرجوا من بيوتهم مذعورين يصيحون ويصرخون، حتى الحجارة سقطت عليهم وهم في بيوتهم؛ لكن بماذا حلَّلوها؟ ماذا قالوا؟

قالوا: احتار الخبراء مع الأسف الشديد، وإلا لو سألوا علماء الشريعة، لو سألوا العلماء المحققين لأخبروهم أن هذا عقاب من الله جل جلاله، وهو والله عبرة لنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

فعلينا أن نتقي الله جل وعلا، ونحذر من التهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولنسمع إلى هذا الأثر يا عباد الله! كما يُروى: [[أوحى الله إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم، وستين ألفاً من شرارهم، قال: يا رب، هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي]]

وأقول: يُخشى أيضاً والله على بعض الناس الآن، الذين يُوجد في بيوتهم الكثير من الأولاد لا يعرفون الصلاة، يُخشى والله أن يصيبهم العذاب.

تجد الآن البيوت فيها خمسة أو ستة أو ثمانية أو أكثر من ذلك لا يعرفون الصلاة، إنا لله وإنا إليه راجعون، وإذا أردتَ أن تختبر هذا الوضع فانظر في صلاة الفجر، أين أولاد المسلمين؟

أين مَن سنه عشر سنوات أو خسمة عشر؟ بل أين ذو العشرين؟

لكن انتظر بعد ساعة وربع، تجد الأرض ملأى، الله أكبر! إلى أين؟ إلى المدارس، والصلاة؟ الصلاة غُفل عنها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الصلاة أمرها عظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الصلاة، الصلاة، ولعلنا إن شاء الله بعد قليل نتكلم عن الصلاة إذا انتهينا من الكلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أيها الإخوة في الله: لا شك أنه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سوف يكثر الشر وينتشر، ويكثر الفسقة، فإذا حصل ذلك فلا تسأل عن أحوال المجتمع وما يحل فيه من النقمات، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: [[دخلتُ أنا ورجل على عائشة رضي الله عنها، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين! حدثينا عن الزلزلة، فقالت رضي الله عنها: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف، غار الله عزَّ وجلَّ في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا هدمهما عليهم]] اللهم سلِّم سلِّم، اللهم احفظنا بحفظك يا رب العالمين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إنك على كل شيء قدير.

فيا عباد الله! احذروا مما يغضب الله عزَّ وجلَّ، فإن الذنوب والمعاصي هي والله من أسباب الشقاء، ولذلك جاء التحذير منها في كتاب الله؛ لِمَا فيها من الإضرار بالفرد والمجتمع، فهي سبب يؤدي إلى غضب الله جل وعلا وإلى عقابه لمن ارتكبها، ثم إن العقوبة المترتبة على هذه المعاصي تختلف، فأحياناً تكون بالأنفس، وأحياناً بالأموال، وأحياناً بالأولاد، وأحياناً تكون بالمدمرات العامة، مثل: الفيضانات، أو الرياح المدمرة، أو القحط، أو الزلازل، أو بالحروب الطاحنة، أو بالأمراض المستعصيات، كما سمعنا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وربنا جل وعلا حذر من المعاصي والذنوب في كتابه العزيز وأخبر في محكم البيان عن الأمم التي حلت بهم العقوبات، ونحن نقرأ القرآن يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا تَرْعَوِيَ القلوب؟

يكفيك أن تقرأ سورة الفجر، قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:١ - ١٢] ماذا حل بهم؟ قال تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:١٣] ثم قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:١٤].

وقال تعالى في سورة أخرى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:١٢].

فلنحذر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

يقول الله جل وعلا: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٧ - ٩٩] نعوذ بالله من غضب الله.

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم احذورا من غضب الله جل وعلا، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر.