للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما هو سبب عدم التأثر بالمواعظ]

السؤال

نحن -يا شيخ- نسمع المواعظ، ونزور المقابر، ونرى الجنازة وهي توضع في اللحد ويحثى عليها التراب، ونعود بعد الزيارة وبعد سماع الموعظة، ونمارس حياتنا, ونعود إلى معاصينا وكأن شيئاً لم يكن، فهل من نصيحة لأصحاب هذه القلوب الميتة أو المريضة؟

الجواب

أنصحكم وأنصح نفسي -أولاً- بالرجوع إلى كتاب الله عز وجل، وتدبر الآيات الكريمة، وكفى بالقرآن واعظاً, والبعض من الناس يقول: نسمع أهوال القيامة ولكن ننساها, فأذكر لك سورة قصيرة يعرفها كل إنسان جمعت أهوال القيامة, وهي سورة القارعة, فاقرأها وتدبرها فإذا ثابرت على قراءة القرآن وجعلت لك جزءاً في الصباح وجزءاً في المساء، أو عند النوم، وأكثرت من ذكر الله عز وجل، فإن الله يقول: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] وأكثرت من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير, وسبحت الله وبحمده مائة مرة أو أكثر، وذكرت الله عز وجل مائة مرة أو أكثر، وثابرت على هذا الذكر، وأقللت من المأكولات, فإن الذي أمرض قلوبنا هو كثرة الأكل, ثم هل أكلنا هذا نقي أم غير نقي؟ فإن أكثر الناس لا يبالي في أكله سواءً كان من حلال أم من حرام، إنما الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما تعذر عليهم أخذه نسأل الله العافية, وقد وقع فينا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {يأتي زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، والذي لم يأكله يأتيه من غباره أو دخانه} أو كما قال صلى الله عليه وسلم فما بالك بالذين يأكلون الربا؟ وما بالك بالذين يأكلون الحرام؟ ما بالك بالذين امتلأت قلوبهم من غير ذكر الله عز وجل، هل يستفيدون بالمواعظ؟

ولكن إذا فرغنا قلوبنا، وثابرنا على قراءة القرآن وعلى ذكر الله عز وجل, وكان المأكل من حلال والمشرب من حلال والملبس من حلال؛ حتى إذا رفعنا أيدينا لربنا وقلنا: يا رب! يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك, وإذا بنا نحس بلذة, وإذا قلنا: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب, نجد بذلك لذة؛ لأن المأكل حلال والمشرب حلال والملبس حلال.

والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا ذلك حين ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب يا رب لكن المأكل حرام والمشرب حرام والملبس حرام، قال عليه الصلاة والسلام: {فأنى يستجاب لذلك} بعيد أن يستجاب لذلك، وإلا فإن دعوته مستجابة ثلاثة لا ترد دعوتهم منهم المسافر, لكن إذا كان يأكل من حرام ويشرب من حرام ويتغذى بالحرام -والعياذ بالله- فإن الله لا يستجيب له.

فعلينا أن نفتش عن أنفسنا، عن مأكلنا ومشربنا، وليس المهم أن نملأ البطون من هذه المأكولات, المهم أن ننتقي شيئاً طيباً حلالاً, ولو أن الإنسان يأكل كفاً من تمر حلال خير له من أكل مفطحات وغيرها وهو لا يعلم مصدرها, فإن مصادر الناس -والعياذ بالله- تختلف اختلافاً كثيراً منهم من يأكل الربا، ومنهم من يغش، ومنهم من يخادع، ومنهم من يماطل، ومنهم من يأكل أجور العمال, يأتي بعمال ويضيعهم، حتى أنه وجد عامل لا يستطيع أن يمشي من الجوع، فلما سأله رجل وإذا به يبكي ويقول: منذ يومين لم أذق شيئاً, لماذا؟ قال: صاحب المؤسسة لم يعطني فلوسي.

فعلينا أن ننتقي المأكل والمشرب، وننقي قلوبنا، ونخرج منها كل هذه البدع والمحدثات, ونقبل على الله عز وجل، وسوف نجد لذلك لذة قل في الأسحار: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت, واخشع وانكسر بين يدي الله وتضرع إليه لا تفعل كما يفعل الذين يلعبون بالبلوت والكنكان ومشاهدة الأفلام والملهيات، بل خالفهم, وتضرع بين يدي الله عز وجل، وسوف تجد غب ذلك بإذن الله تعالى.