للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رؤية المؤمنين لربهم في الجنة]

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ينادي المنادي يا أهل الجنة! إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحيا على زيارته، فيقولون: سمعاً وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، ويستوون على ظهورها مسرعين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، وجمعوا هناك لم يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم -وحاشاهم أن يكون فيهم دنيٌ- على كثبان المسك ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟

فبينما هم كذلك إذا سطع لهم نورٌ أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة! فيكون أول ما يسمعون منه تعالى، أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة! إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه؟

فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه يقول: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ يذكره ببعض غدراته في الدنيا، ويقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.

اللهم ارزقنا توبة نصوحاً تطهر بها قلوبنا، وتمحص بها ذنوبنا يا أرحم الراحمينّ! يا أكرم الأكرمين! اللهم اغفر لنا!

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فيا لذة الأسماع لتلك المحاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، وربنا جل وعلا يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] هنيئاً لأهل الجنة ما هم فيه من النعيم المقيم نسأل الله من فضله الجنة، يا أكرم الأكرمين! ويا أجود الأجودين! اللهم اجعلنا من أهل الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين!