للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تناثر الصحف]

ولكن لقد حان وقت الامتحان والعرض على الجبار الذي لا تخفى عليه خافية: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:٢٢] جاء لفصل القضاء بين العباد: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨] ففي هذه اللحظة يكون العرض على عالم السر والنجوى؛ ويتبين فيه الربح من الخسارة، والنجاح من الرسوب، في ذلك الامتحان العظيم؛ ومن يأخذ الشهادة: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:١٩] لا إله إلا الله! تلكم الشهادة -يا عباد الله- {هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:١٩ - ٢٠] ما هو المآل يا رب العالمين؟! ما هو مآل هذه الشهادة؟ ما مآل هذه الدرجات؟ ما مآل هذا الامتياز؟

مآله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢١ - ٢٤] بما أسلفتم من أداء الواجبات، ورضاء رب العالمين، فيا لها من سعادة أبدية، ويا له من فرح شديد بهذه النتيجة التي لا تحصل إلا لمن أدى الواجبات، وأتى بالحسنات، وعمل الأعمال الصالحات، وخرج من الدنيا، وقد حصل على حسن السيرة والسلوك مع الله في السر والعلانية.

لا يحصل هذا الفضل وهذه الكرامة إلا لمن خرج من الدنيا، وقد حصل على حسن السيرة والسلوك مع الله في السر والعلانية، فقد ورد في الأثر: [[لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية]] فهنيئاً ثم هنيئاً لمن كانت عاقبته يوم أن يلقى الله، ويا خسارة ويا خيبة من رسب في ذلك العرض الأكبر في ذلك الامتحان وأعطي كتابه بشماله فهو يقول: {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:٢٥ - ٢٧] يقول ذلك ويتحسر وإن كان في الدنيا صاحب أموال وصاحب جاه كل ذلك لا يجدي لمن عصى الله، فهو ينادي {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٨ - ٢٩] الذي كنت أطارد وراءه، فأضيع حقوق رب العالمين: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:٢٨] الذي حملني على الأثر والبطر والكبر والفساد في الأرض {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٨ - ٢٩] أي: عند ذلك، وبعد أن اطلع على نتيجة الخسران التي استحق بها الإهانة والإبعاد، أمر الله عز وجل الزبانية أن تأخذه بعنف من المحشر، فتغله بالأغلال في عنقه، ثم تسحبه إلى جهنم، فتصليه إياها وبئس المصير.

قال بعض المفسرين إذا قال الرب عز وجل: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:٣٠] ابتدره سبعون ألف ملك أيهم يجعل الغل في عنقه، فهذا جزاء من عصى الله وتعدى الحدود، ولم يقم بحق الله عليه من طاعته وعبادته: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦].

اللهم أحينا مسلمين، ونجحنا يوم الامتحان الأكبر، وأعطنا الشهادة باليمين، وارفع درجاتنا في عليين، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والحمد لله رب العالمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.