للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الناقة وقتلهم لها]

نعوذ بالله من التعنت والشقاق والعناد، طلبوا من صالح عليه السلام أن يأتيهم بآية ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم، وقد اجتمع الملأ منهم وطلبوا منه أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة ناقة عشراء! ولكن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأشاروا إلى صخرة من عندهم من صفاتها كذا وكذا، فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح عليه السلام العهود والمواثيق لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به وليتبعنه؛ فأعطوه ذلك.

فقام نبي الله عليه السلام فصلى ثم دعا الله عز وجل أن يجيبهم إلى سؤالهم؛ فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عشراء على الصفة التي وصفوها.

قال الله تعالى: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:١٥٥ - ١٥٦] ناقة عظيمة خرجت من صخرة بأمر الله الحي القيوم الذي إذا قال للشيء: كن فيكون، ثم أخبرهم أنها ترد الماء، يوم لهم يشربون ويومٌ لها، وحذَّرهم من نقمة الله تعالى أن يصيبوها بسوء، فمكثت الناقة بين أظهرهم حيناً من الدهر ترد الماء وتأكل الورق والمرعى وينتفعون بلبنها، فكانوا يحلبون منها ما يكفيهم شرباً ورِّيا.

فلما طال عليهم الأمدُّ والناقة تسطح بعض تلك الأودية، ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها؛ لأنها كانت تتضلع من الماء وكانت على ما ذكر خلقاً هائلا ومنظراً رائعاً؛ ولكن تلك الآية العظيمة لم تجد بأولئك العتاة الكفرة ولم يؤمن منهم إلا القليل، فعزموا على تغيير النعمة، وعزموا على أن يكفروا نعمة الله، وعلى قتل الناقة مخالفة لله ولرسوله.

قال بعض العلماء: إن سبب قتل الناقة: أن عجوزاً كافرة من قوم ثمود تكنى بـ أم عثمان -وكانت من أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام- وكان لها بنات حسان في غاية الجمال ولها مال جزيل، وامرأة أخرى يقال لها صدوق ذات حسب ومال وجمال، فكانتا تلك المرأتان تعدان لمن التزم لهما بقتل الناقة بالزواج.

فدعت التي اسمها صدوق رجلاً يقال له: الحباد فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة؛ فأبى عليها فدعت ابن عم لها يقال له: مصرع فأجابها إلى ذلك، ودعت العجوز قدار بن سالف وكان رجلاً أحمر أزرق أصهب يزعمون أنه كان ولد زنية، وأنه لم يكن من أبيه الذي نسب إليه، وقالت له العجوزة الكافرة: أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة.

فعند ذلك انطلق قدار ومصرع فاستغووا غواة من ثمود فتبعهم سبعة نفر فصاروا تسعة رهط، وهم الذين قال الله فيهم: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُون َ) [النمل:٤٨] وكانوا رؤساء في قومهم فاستمالوا القبيلة الكافرة بكاملها فطاوعتهم القبيلة على تلك المعصية، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت من الماء، وكمن لها قدار بن سالف في أصل صخرة -أي: اختبأ لها- على طريقها، وكمن لها مصرع -أيضاً- في أصل أخرى، فمرت على مصرع فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها، وشدَّ عليها قدار بن سالف بالسيف فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض ورغت رغاةً واحدة تحذر فصيلها ثم طعن في لبتها فنحرها.

وانطلق فصيلها -أي: ولدها- حتى أتى جبلا منيعاً فصعد أعلى صخرة في الجبل ورغى، قيل إنه قال: يا رب! أين أمي؟ وقيل: إنه رغى ثلاث مرات وأنه دخل في صخرة فغاب فيها، وقيل: إنهم قتلوه مع أمه والله أعلم.