للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الندم على التفريط عند سكرات الموت]

فيا من أنذرته المواعظ بمرور الليالي والأيام، ويا من أنذرته المواعظ بموت الآباء والأجداد والأولاد، هل تظن أنك بعدهم سوف تخلد؟! كلا والله، ثم كلا والله، سوف يأتيك ما أتاهم ويطرقك ما طرقهم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦].

فيا أيها الإنسان: أما علمت أنك مخلوق في هذه الدنيا، موجودٌ للابتلاء والامتحان؟! أما علمت أنك مسئول عما فرطت فيه من عمرك؟! فما هذا الإهمال، وما هذا التفريط وأنت محاسبٌ ومناقش، وسوف تنطق أركانك بالشهادة عليك بما حُفظ ورصد عليك في ديوان أعمالك: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٧ - ١٨] ويقول تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:١٠ - ١٢].

يا من يرى العبر بعينيه، ويسمع المواعظ بأذنيه، إنك تعنى بذلك، إنك تقصد بذلك، فهل أنت مستعدٌ إذا نزل بك ملك الموت؟! هل أنت مستعدٌ إذا نزل بك هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وميتم الأطفال، ومرمل النساء؟! هل أنت مستعدٌ إذا حلت بك سكرات الموت، وتريد الكلام ولا تستطيع؟! تريد أن تقول: واأسفاه على شراء آلات اللهو! واأسفاه على شراء الفيديو! واأسفاه على ما جمعت في البنوك من الربا! واأسفاه على جسم نبت من السحت! واأسفاه على أوقات أمضيتها مع الميسر والقمار! واأسفاه على أوقات قضيتها في خارج البلاد في معاقرة الخمور وارتكاب الزنا، والجلوس في مسارح المجون والفساد والإلحاد!

هل يفيدك هذا الندم؟ وقد وصلت الروح إلى الحلقوم، وتماديت في معاصيك ولم تتب، فعند ذلك تقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] ثم يقال لك: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:١٠٠].

عند ذلك تندم على تفريطك، وهيهات في ذلك الوقت أن يفيد الندم، وبعد خروج الروح من الجسد، تنتقل من هذه الدار إلى دار أخرى، يحملونك من الدار إلى المقبرة وتبقى وحيداً في قبرك، ينهال عليك التراب، وتنفقع بطنك وتأتيك الديدان من كل ناحية، وعندك عملك؛ إن كان صالحاً فهنيئاً لك، وأنت في روضة من رياض الجنة، وإن كان عملك سيء فويل لك وأنت في حفرةٍ من حفر النار، على ممر العصور ومضي الدهور.

بعد ذلك يأذن الله بعد هذا المكث الذي لا يعلم قدره إلا الله جلَّ وعلا، يأذن بالنفخ في الصور: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق:٢٠].

فحينئذٍ يعيد الله الأجسام بقدرته إلى أول خلقها: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا} [الأنبياء:١٠٤].

لا إله إلا الله! الله أكبر القادر على كل شيء، فيجمعهم الله على صعيد واحد: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيد} [ق:٢١].

معك الوزير، ومعك الواسطة، ومعك الرفيق، والصديق {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:٢١].