للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عاقبة الإفساد في الأرض]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:١٠٢ - ١٠٣].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:١٨ - ١٩].

عباد الله: اسمعوا القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:١٩].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت فقال صلى الله عليه وسلم: {بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا} لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأيضاً يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً} يخاطب الصحابة رضي الله عنهم، في القرن الأول، في القرون المفضلة التي هي خير القرون بعد نبيها صلى الله عليه وسلم قال: {ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور -وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر هذه الأزمنة المتأخرة ويحذر منها- فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} وفي رواية النسائي {وكل ضلالة في النار} نعوذ بالله من النار.

والله عز وجل يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣].

نعم.

أيها الإخوة في الله فالله سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم وأرسله ليخرج العباد من الظلمات إلى النور، فمن أخذ بهديه صلى الله عليه وسلم فقد نجا وأفلح، ومن أعرض فقد خاب وخسر، كيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله! -لا يوجد أحد لا يريد الجنة، هل هناك أحد لا يريد الجنة؟ لا يوجد أحد، لكن نسأل الله العفو والعافية- قال: إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى} الله أكبر، فالله سبحانه وتعالى أرسل إلى من قبلنا من الأمم الرسل، وأنزل أيضاً معهم الكتب، فبينوا للأمم فاستجاب من استجاب وعصى من عصى، وأعرض من أعرض، وكان عاقبة من أعرض وعصى وخيمة شديدة.

أيها الإخوة في الله: يقول الله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:٩٤ - ٩٥] ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٦ - ٩٩].

هذه إنذارات من الله عز وجل، إنذار يا أمة الإسلام: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٧ - ٩٩].

الله أكبر، أيها الإخوة في الله! أما سمعنا أن أقواماً أتاهم الزلزال في ضحى من النهار، وذهبت فيه عدة قرى؟!

أما سمعنا بعدة فيضانات أغرقت الكثير من الناس؟!

أما سمعنا بأعاصير شردت الكثير من الناس وتركتهم بدون مأوى وبدون أكلٍ وشرب، فرقت بين الوالد وولده، والأخ وأخيه، والرجل وزوجته؟!

ماذا نسميها في هذه الأزمنة التي طغى فيها علم الإلحاد (علم الطبيعة) نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً.

نعم.

كل هذه لا يعترف بها كثير من الناس، لا يقول هذه عذاب من الله، وقد عذب الله بها أمماً من قبلنا، وهذه إنذارات للأمة الإسلامية لما يحصل لمجاورينا.

أيها الإخوة في الله، إنها إنذارات لنا يا عباد الله.