للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحرص على وحدة الأمة]

الحمد لله أمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم, ورتَّب على طاعته وعلى طاعة رسوله أجراً عظيماً, ونهى عن معصيته ومعصية رسوله, ورتَّب على من ارتكب ذلك أن يعاقبه بما يستحق من العقوبة في الدنيا وفي الآخرة, أحمده وأشكره الذي لم يتركنا هملاً, ولم يخلقنا عبثاً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق على الإطلاق في الدعوة والإرشاد والتوجيه, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد الناصح الأمين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في هديهم وفي دعوتهم إلى يوم الدين, وسلِّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس! اتقوا الله عز وجل, مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر, حافظوا على حدود الله، تمسكوا بالأخلاق القيمة, والآداب الجميلة, قوموا بأوامر الله, وانتهوا عما نهاكم عنه, واتحدوا ولا تفرقوا.

واعلموا أن الأمة لا يمكن أن تكون أمة قوية مرموقة حتى تتحد في أهدافها وأعمالها، ولن يمكنها ذلك حتى تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فتكون على دين واحد في العقيدة والقول والعمل, وتنهج صراطاً مستقيماً, صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض, أما إذا لم يحب البعض البعض الآخر, ولم ينصح البعض البعض الآخر, فإن الأمة سوف تتفكك وتنفصم عراها, ويكون لكل واحد منهم هدف, ولكل واحد منهم طريق وعمل, عند ذلك يتفرقون أحزاباً وشيعاً يتيهون في متاهات الضلال, نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

أيها المسلمون! إذا لم تقم الأمة بأمر الله وتسعى في إصلاح المجتمع بالالتزام بدين الله عز وجل, فمن الذي يقوم ويسعى في ذلك؟! وإذا لم نتكاتف على منع الشر والفساد فكلنا هالك.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً, فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون جليسه وأكيله, فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض, ولعنهم على ألسنة أنبيائهم ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة:٧٨] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد الظالم, ولتأطرنَّه على الحق أطراً, أو ليضربنَّ الله قلوب بعضكم ببعض, ثم يلعنكم كما لعنهم} نعوذ بالله من لعنة الله!

عباد الله! الله الله استيقظوا من رقدتكم, واحذروا من أعداء الإسلام في كل مجال يرسلونه لكم, وكونوا على حذر منهم, فإن المؤمن ينظر بنور الله, فاحذروا من دسائس أعداء الإسلام, واعتبروا يا أولي الألباب بالمجاورين, وبما حلَّ بهم من العقوبات والنقمات, والأمراض والأوبئة التي لم يجدوا لها دواءً ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولعل بعضها تسرب إلينا من الذين ذهبوا إليهم واجتلبوا لنا تلك الأمراض الخطيرة, التي لا علاج لها إلا التوبة إلى الله عز وجل, والرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله, فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة, وكل ضلالةٍ في النار.

عباد الله! عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار, احذروا من التفرق, واعلموا أن الذئب يأكل من الغنم القاصية.

وصلوا على الناصح الأمين رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بلّغ البلاغ المبين, وترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها, فقد أمركم الله جل وعلا أن تصلوا عليه فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] , ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى الدين.

عباد الله! هناك ملحوظة يذكر لي بعض الناس: أنه استفتى بعض الجهال, فقال: إن عليّ صوم من رمضان السابق فهل أقضيه في شعبان؟ فقال له: لا يجوز لك أن تقضيه في شعبان, وهذه فتوىً جاهلية! سوف يسأل عنها هذا الجاهل؛ لأنه لم يعذر لأنه في بلاد الإسلام, وفي بلاد العلماء, فكيف له أن يتفوه بهذه الفتوى؟! حسبنا الله ونعم الوكيل, ولو كان عالماً لطالبناه بالدليل, ولكنه جاهل, وإذا خاطبكم الجاهلون فقولوا: سلاماً.

أما يا أخي إذا كان عليك قضاء من رمضان وأردت أن تصومه في شعبان فإنه يلزمك أن تبادر بقضاء هذا الدين الذي عليك, فإن عائشة رضي الله عنها كانت تقضي صومها في شعبان, وهي أم المؤمنين رضي الله عنها التي تربت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو كان لا يجوز القضاء في شعبان لنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشرِّع, فلا ينبغي لأحد أن يفتي بغير علم, قال بعض السلف الصالح: إن أجرأكم على النار أجرأكم على الفتوى, فليحذر الذين يفتون بغير علم, فليحذروا من الوقوف بين يدي الله عز وجل, وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

أيها الإخوان! من كان عليه صوم من رمضان فيلقضه -فإنه دين عليه- في كل شهور السنة لا فرق بينها, سواء كان في محرم أو شعبان أو غيره من الشهور؛ لأن عائشة كان يكون عليها القضاء فتقضيه في شعبان.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ودمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين في كل مكان, اللهم خُذهم أخذ عزيز مقتدر, اللهم خُصّهم بذنبهم ولا تعمَّ معهم يا حي يا قيوم, اللهم إننا نشهدك أننا نبغض العصاة ونبغض أهل المنكرات, اللهم من كان في سابق علمك هدايته فاهده, ومن كان في سابق علمك أنه ضال مضل فخذه أخذ عزيز مقتدر, ولا تعمَّ بعقابه أحداً من عبادك يا رب العالمين.

اللهم أيقظنا من رقدتنا, ووفقنا لاغتنام أوقات المهلة, واجعلنا هداة مهتدين, اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين, اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم قيّض لهم العلماء الناصحين والعلماء العاملين, الورعين الذين لا يخافون في الله لومة لائم, اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا, واجعلنا هداة مهتدين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أرنا وولاة أمورنا الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه, وأرنا وولاة أمورنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, إنك على كل شيء قدير.

اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في جنات الفردوس الأعلى, واغفر لنا ذنوبنا, وتجاوز عن سيئاتنا, واستر عيوبنا, وتوفّنا وأنت راض عنا غير غضبان.

عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:٩٠ - ٩١] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.