للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التقوى حقيقتها والحاجة إليها]

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله، أفضل الأنبياء وأكرم الأتقياء صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله، نعم -يا عباد الله- نسمع هذه الكلمة في كل خطبة وعيد وجمعة، اتقوا الله، اتقوا الله في السر والعلانية، اتقوا الله، فما خلقتم إلا لتقوى الله، وما أسدى عليكم من نعمة إلا لتستعينوا بها على تقواه.

وحقيقة التقوى يا عباد الله هي: أن تجعلوا أنفسكم دائماً في وقاية من عذاب الله وعقابه، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فلا يراكم حيث نهاكم، ولا يفقدكم حيث أمركم.

يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: [[التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد للرحيل]].

أيها المسلمون: إننا لمحتاجون إلى التقوى أشد من احتياجنا إلى الماء والهواء، ولو لم تكن فائدتها إلا أنها تجلب محبة الله لكفى، ومن أحبه الله أحبه الناس، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:٩٦] ويقول جلَّ وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:٤].

وفي الحديث: {إن الله إذا أحب عبداً وضع له القبول في الأرض} فاتقوا الله -أيها الناس- فبالتقوى أوصى الله ورسوله، وجدير بالمسلم أن يعضَّ بالنواجذ على وصية الخالق المدبر جلَّ وعلا، ووصية خير البشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١] ويقول عليه الصلاة والسلام: {اتق الله حيث ما كنت}.

نعم.

يا عباد الله: بالتقوى ينجو الإنسان من الشدائد، وتندك أمامه العقبات، وتزول الشبهات، ويجعل الله له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وييسر له الرزق من حيث لا يحتسب.

وذلك مصداق قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣] وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:٤].

عباد الله: بالتقوى ينضج عقل الإنسان، وتتكون عنده ملكة قوية، وبصيرة نيرة، تضيء له الطريق المظلمة، ويفرق بها بين الحق والباطل، وبين النافع والضار، بل وتكفر سيئاته، وتغفر ذنوبه يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال:٢٩] ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:٢٨].

عباد الله: بالتقوى يأمن الإنسان إذا خاف الناس، ويُسر إذا حزنوا، ويستبشر إذا قنطوا ويأسوا: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس:٦٢ - ٦٤] وبالتقوى تزداد علاقات الإنسان بربه، وينال الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:٣٥].

بالتقوى يطمئن المسلم على ذريته من بعده، ولا سيما ضعفائهم: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩].