للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوسوسة في الصلاة وعلاجها]

أيها المسلمون: إن الكثير من الناس يصلي بجسمه لا بقلبه؛ لأنه جاء إلى المسجد بجسمه، وقلبه في كل واد يجول، يفكر في كل شيء حتى في الأمور التي لا مصلحة له منها، وهذا ينقص الصلاة نقصاً كبيراً, ويجعلها قليلة الفائدة للقلب بحيث يخرج هذا المصلي من صلاته وهي لم تزده إيماناً ولا نوراً.

وقد فشى هذا الأمر -أعني الوسوسة في الصلاة- ولكن الذي يعين على إزالته هو أن يفتقر العبد إلى ربه، ويأتي الصلاة برغبة، ويقبل على الله بقلب حاضر، ورغبة فيما عند الله عز وجلَّ، ويعلم علم اليقين أنه فقير وعبدٌ لله يريد من الله العون والنجاة في الدنيا والآخرة، ويسأله دائماً أن يعينه على إحسان العمل، وأن يستحضر عند دخوله في الصلاة أنه سوف يقف بين يدي ربه وخالقه الذي يعلم سره ونجواه، ويعلم ما توسوس به نفسه، وأن يعتقد أنه إذا أقبل على ربه بقلبه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرض الله عنه، وأن يؤمن بأن روح الصلاة ولبها هو الخشوع فيها وحضور القلب، ويعلم أن حضور الصلاة بلا خشوع كالجسم بلا روح.

ومن الأمور التي تستوجب حضور القلب أن يستحضر معنى ما يقول وما يفعل في صلاته، وأنه إذا كبر ورفع يديه فهو تعظيم لله، وإذا وضع اليمنى على اليسرى فهو ذل بين يدي ربه عز وجلَّ، وإذا ركع فهو تعظيم لله، وإذا سجد فهو تصاغر أمام علو الله جلَّ وعلا، وأنه إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] أجابه الله عز وجل من فوق عرشه قائلاً: حمدني عبدي.

وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] قال الله: أثنى علي عبدي فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] قال الله: مجدني عبدي الله أكبر! يجيبه رب العالمين، يجبيه الخالق جلَّ وعلا، يجيبه من بيده ملكوت كل شيء -فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل هكذا يجيبك مولاك من فوق سبع سماوات، فاستحضر ذلك.

واعلم أنك إذا قلت: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى, وإن كنت تقولها بصوت خفي، وإن كنت تقولها في محل مظلم, فإن الله تعالى يراك ويسمعك وهو فوق عرشه, فما ظنك إذا آمنت بأن الله تعالى يقبل عليك إذا أقبلت عليه في الصلاة، وأنه يسمع كل قول تقوله وإن كان خفياً، ويرى كل فعل تفعله وإن كان يسيراً، فهو تعالى المحيط بعبده علماً وقدرة وتدبيراً، وسمعاً وبصراً, وغير ذلك من معاني ربوبيته.

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وأقيموا صلاتكم وحافظوا عليها، واخشعوا فيها، فقد قال ربكم في كتابه الكريم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١] من هم؟ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:٢].

اللهم اجعلنا من المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون, وعليها محافظون, وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا كريم، وتقبل منا صالح الأعمال يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأسأل الله بمنِّه وكرمه ألا يجعله حجة عليّ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.