للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوم هود ورحلة الكبر من الترف إلى الريح العقيم]

هذا هود عليه السلام أرسله الله إلى قبيلة عظيمة من العمالقة تدعى قبيلة عاد، كانوا أشداء أقوياء قد زادهم الله بسطة في الجسم، وكانوا مترفين في الحياة، يبنون القصور الفخمة الشامخة، وعندهم البساتين النضرة، والعيون الجارية -وليست مثل حدائقنا التي يختلط فيها الرجال والنساء الآن، وتقضى فيها الليالي الفضلى ليلة الجمعة وليلة الخميس، هؤلاء قوم عاد عندهم البساتين النضرة والعيون الجارية- فاغتروا بضخامة أجسامهم وقوتهم، فاستكبروا على الله وعتوا عن أمر رسله, وتمادوا في طغيانهم, لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، فأهلكم الله بالريح العاتية، كما قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:١٥ - ١٦].

لما طغت عادٌ وتمردت على نبي الله هود عليه السلام، ولم ينفعها التذكير ولا الإنذار وتمادت في طريق العصيان؛ حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى اشتد عليهم الجهد والبلاء، فاستغاثوا، فأرسل الله عليهم سحاباً كثيباً من السماء، فلما رأوا السحاب فرحوا واستبشروا وظنوا أنه مطر غزير، وأن الله استجاب دعاءهم حين استغاثوا, فلما أظلتهم السحابة رأوها سوداء قاتمة، ففزعوا ثم هبت عليهم الريح وكانت ريحاً عقيماً سلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، فأهلكهم الله وأبادهم، وصارت أجسامهم كأنها أعجاز نخل خاوية، ونجى الله عز وجل هوداً عليه السلام والذين معه، وكان الذين هلكوا من قوم عاد قد هلكوا عن آخرهم، فلم يبق من أنفسهم ولا من ديارهم شبح ولا رسم؛ لأن الريح قد دمرت كل شيء فلم تبقِ عليهم ولم تذر، قال الله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:٤١].

تذكر يا عبد الله وهي تحمل الرجل ثم تضعه على أم رأسه، تصور هذا العذاب من الله عز وجل، ولكن هل نفكر؟ إنما نقول أعاصير ورياح وبراكين وزلازل ولا نفكر أنها غضب من الله {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:٤١ - ٤٢] هذا لكم تذكار يا أمة محمد.