للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لوط عليه السلام في القرية الخبيثة]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها الناس! اتقوا الله عز وجل، في هذه الخطبة الثانية نتحدث عن قوم أرسل الله إليهم رسولاً يدعوهم إلى الله عز وجل، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ولم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم يعهدونه، ولا يألفونه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله، فأرسل الله إليهم لوطاً عليه السلام، قال الله تعالى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف:٨١].

كانوا يرتكبون ذنب اللواط، الذنب الذي كان يغضب رب العباد، إنها الفاحشة التي يضيق بها الفضاء وتأج لها السماء، ويحل بها البلاء، فكشف حال، وسوء مآل، وداء عضال، وقبح فعال، وعيب دونه سائر العيوب، جريمة اللواط عيبٌ تموت به الفضيلة، وتحيا به الرذيلة، اللواط عملٌ مسبوب، ووضع مقلوب، اللواط فاعله ملعون، اللواط خلق فاسد، وشرف مسلوب، وعرض ممزق، وكرامة معدومة، وعاقبته زهري وجرب وألوان، إنها الجريمة الشنعاء البشعة القبيحة، إنه ركوب الذكران بعضهم على البعض.

اللهم وإن في هذه الفاحشة الشنعاء من الخزي والعار ما لا تطيقه الطباع السليمة، فعال أمة قديم عصرها، باق ذكرها، كثير شرها، وهي مشهورة ببلاد الغور بناحية حيال البيت المقدس بينها وبين بلاد الكرك والشوبك، إنها أمة ترتكب هذه الفاحشة الشنيعة، والجريمة الفضيعة، علناً في نواديهم، ويذرون ما خلق الله من أزواج، ولا يبالون بمن يعتب ويشنع عليهم، وقد بالغ لوط عليه السلام بدعوتهم إلى توحيد الله عز وجل، وحذرهم من فعل الفاحشة وهي إتيان الرجال من دون النساء، وبالغ في إنذارهم وتحذيرهم، وكان الجواب من أولئك العصاة الكفرة على تلك النصيحة، أن قالوا: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:٥٦].

يقولون هذا ومقصودهم السخرية، والتهكم بلوط عليه السلام، فلما أنذرهم بأس الله ونقمته لم يلتفتوا إلى ذلك ولا أصغوا إليه، بل شكوا فيها وتماروا به.