للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين شباب السلف وشباب الخلف]

الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريكٌ في الملك، ولم يكن له وليٌ من الذل وكبره تكبيراً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وخذوا بأسباب النجاة والسعادة، واحذروا من أسباب الشقاوة والهلاك.

عباد الله: أرأيتم لو كان لكم أشجارٌ تتعاهدون سقياها، وتتعاهدونها بما يصلح لها، وتختارون لها التربة الطيبة, والمزارعين الفنيين في فن الزراعة، إذا حصل ذلك فسوف تؤتي الثمار اليانعة، ويعظم خيرها، ويكثر جناها.

أجل -يا أمة الإسلام- هذا مثال لفلذات أكبادكم، مثال للشباب في عنفوانه ونضرة أيامه، إذا وجد له راعياً أميناً، وموجهاً مرشداً صالحاً ناصحاً، فسوف يثمر أطيب الثمار، ويكون عضواً صالحاً في المجتمع، وعنصراً هاماً لحماية الدين، ورعاية الأخلاق، ورفع راية الفضيلة.

أمة الإسلام: إن مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم لما كانت تتمشى مع التعاليم السماوية والتوجيهات الربانية، خرجت شباباً كان لهم في أزهى عصور الإسلام جولات عظيمة، ومغامرات كريمة، كان فيها عز للإسلام، ونصر لشريعة سيد الأنام، ورفع لعلم الدين خفاقاً يحكي العزة، ويصور المجد، ويشعر بالقوة، إنهم تعلموا العلم لوجه الله، فنالوا به رفعةً ومجداً وسؤدداً، أولئك الشباب الناشئ في مدرسة الإسلام، غذاهم الإسلام بمبادئه وروضهم على تعاليمه، وقومهم برفيع توجيهاته، وجعل منهم في ميدان البطولة الفدائي, الذي لا يشق له غبار يخوض معركة الشرف لا يريد بذلك وطنية، ولا يريد قومية، ولا جاهلية، ولكن لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

ولقد كانوا رضي الله عنهم في ميدان العلم والمعرفة أئمة في الدين، وأعلاماً في الفقه, وفي مجالات العبادة والإخبات، فهم رهبان بالليل، أسود بالنهار: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨] في ميادين البذل والبر والإحسان يبذلون الفضل لوجه الله طلباً للمثوبة والأجر، فهذه أوصاف أولئك الرجال، فإنها حميدة، لم تغلب عليهم السطوة، فكانوا رضي الله عنهم قدوة للشباب المسلم الصالح الذي رفع الله درجته، وأمن مخاوفه، ووعده أن يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ولقد أخبر إمام الأمة وقدوتها صلى الله عليه وسلم بقوله: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله} وعدّ منهم: الشاب الناشئ في عبادة ربه عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:٩٠] ولكن مع الأسف الشديد والحزن المرير أين تلك الأوصاف؟ أين تلك الأشباح؟ رحمة الله على تلك الأرواح، لقد تغيرت الأحوال، وانعكست الأفعال، وعمي الكثير عن الهدى واتباع الحق، وغرق البعض في التقليد الأعمى، ومالت به نفسه الأمارة بالسوء عن الصراط المستقيم، وقلد الكفرة في باطلهم، وقلّد الغرب في الانحلال والميوعة والإلحاد والرذائل، وأطلق لنفسه العنان في الشهوات المحرمة والنزوات الطائشة والرذائل، ونسي الله عز وجل, ولم يراقب الجزاء، ولم يحذر من بطشته وسطوته وأخذه الأليم الشديد، فهو ممن قال الله فيهم: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤] وممن وصفهم الله بقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤].