للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب التكاسل في العبادة]

نحن نجد المشقة في العبادة، فنصلي ونحن على إعياء، ونصوم ونحن نريد وقت الإفطار يأتي بسرعة؛ لأن هناك نوعاً من النقص في القلوب أو في الأعمال الظاهرة، فسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام طلب لقاء الرجل الصالح العالم؛ ليتعلم منه مسائل، وأخبره الله عز وجل أنه يلقاه بمجمع البحرين، ولما جاوز موسى مجمع البحرين من حيث لا يشعر؛ لأنه كلف فتاه أن يحفظ السمكة المملحة في مكتل وقال له: متى وجدت هذا الحوت قد أصبح حياً فهناك الملتقى، لا أكلفك غير ذلك؟ قال: ما كلفتني كثيراً، وبالفعل نام موسى عليه الصلاة والسلام، وأحيا الله عز وجل الحوت عند مجمع البحرين، وانطلق في البحر كما وصف الله عز وجل، ونسي الفتى أن يبلغ موسى ومشى وجاوز، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:٦٢]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما وجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به)، سبحان الله! ومع أنه كان عن اجتهاد، وطلب للخير، ونسيان من الفتى بغير قصد قال: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف:٦٣]، ومع كل ذلك كان النصب بسبب مجاوزة الحد، فما بالك إذا كانت المجاوزة عمداً فلابد أن يكون هناك نصب، أو كان هناك تقصير وتوان لابد أن هناك مشقة، ولو كانت العبادة على ما أمر الله عز وجل لما وجد الإنسان أي تعب فيها، فقد ورد في الحديث أن: (النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه) وفي رواية: (حتى تتشقق قدماه) أي: تتفطر قدماه (فيقال له في ذلك فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً)، صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم لا يجد تعباً في ذلك، بل يقوم ليلة يقرأ فيها البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود فقال: هممت بأمر سوء، هممت أن أجلس وأتركه؛ من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى الله عليه وسلم لم يشعر بذلك، فقد جعلت قرة عينه في الصلاة صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يجد الإنسان منه بقدر إخلاصه وبقدر حبه لله عز وجل، وبقدر إتقانه للعبادة، وبقدر أدائه لهذه العبادات على الوجه المشروع، فالبدعة أو التقصير في اتباع السنة أو عدم حضور القلب فيها هو الذي يجعلها عبادة جافة شاقة على النفس، مع أن الإنسان لن يجد الراحة والسكون في العبادة إلا بعد مجهود؛ لأن نفسه ما زالت ظالمة جاهلة حتى تكسى تدريجياً، فالإنسان يولد عارياً ثم يكسى، والإنسان ظلوم جهول، ثم يعلم ويرزق العقل وكلما علم ورزق الإرادة السليمة الصحيحة والعدل وجد حقيقة العبودية، ووجد كيف يؤدي هذه الوظيفة في عمره كله مع الراحة والسكون، واللذة والسعادة في هذه الدنيا قبل القبر وقبل يوم القيامة، وقبل الجنة التي عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.