للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراتب الناس في الاستعانة]

وقد جعل الله عز وجل الناس مراتب وأنواعاً في هذا: فمنهم من يستعين بالله سبحانه على قضاء مصلحة دنيوية فهو يتوكل على الله في أمر الرزق، وفي أمر الأولاد، وفي أمر الوظيفة، وفي أمر العمل وغير ذلك، وهذا وإن كان حسناً إلا أنه ليس هو المطلوب فقط.

وكثير من الناس يستعين بالله عز وجل ويدعوه لنيل المحرم والعياذ بالله، فهو يتوجه إلى الله وليس في باله أن يطيع الله عز وجل، فربما وجدت من يخرج لأكل الربا ويقول: توكلت على الله، وما أكثر ذلك، وهناك من يخرج لظلم الناس ويقول: توكلت على الله، وتجده فعلاً يسأل الله التوفيق في ذلك العمل؛ لأنه حصل له الجهل المركب والعياذ بالله ولم يعبأ ببحثه عن الشرع، ولم يتعلم شرع الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك ظن الجاهل أنه يتوكل على الله في نيل معصيته وربما حصل له ذلك، فإبليس لم يتوجه لغير الله في طلب المد في عمره قال: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر:٣٦] فقد سأل ربنا سبحانه وتعالى، وأعطاه الله ما سأل، لكي يستعين إبليس بهذا العمر الطويل على إضلال الناس ومحاربة الله، أفيظن أن الله لا يدري، ولا يعلم ما في نفسه؟! حتى إنه كتم هذا الأمر إلى أن تأكد أن الله أنظره، ثم قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:٣٩ - ٤٠]، لكنها نوعية عجيبة وغريبة من المخلوقات، فهي تستعين بالله على الكفر به ومعاداته ومعصيته، وتطلب منه ما تستعين به على ذلك، لكنها موجودة بالفعل.

وأعلى الناس قدراً في أمر الاستعانة هو من يستعين بالله على عبادته، وعلى طاعته؛ لأنه يعلم أنه لا يقدر على الطاعة إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى.