للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب تحسس أسباب الخير والبحث عنها]

لا بد أن نتحسس أسباب الخير، كما قال يعقوب لبنيه: ((يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ))، فلا بد أن نتحسس أسباب الخير، وأن نستعين بالله ونصبر، ونوقن بوعد الله سبحانه وتعالى، كما أمر عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام في السورة التي بين له فضلها، وشيبته هي وأخواتها، فقال الله عز وجل فيها -أي: في سورة هود عليه السلام-: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود:١٢١ - ١٢٣].

فقوله سبحانه: ((وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ)) أي: اعملوا كل ما في إمكانكم، وكيدوا بكل قدرتكم، وها هي الأمم الآن قد اجتمعت على كيد أهل الإسلام.

كانت الرسل تقول لأقوامهم: اجتمعوا على كيدنا كما قال هود: {كِيْدُونِي جَمِيْعَاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} [هود:٥٥] أي: لا تؤخروا كيدكم، بل أنفذوه الآن! ما هذا الأمر العجيب! أيأمرونهم بهذا الأمر؟! أيريدون أن يكيدوا بهم؟! لا، إنما يأمرونهم بذلك استهانة بهم، واستهزاء بكيدهم، واستخفافاً به، لا يعبأون به، ولأجل أنهم موقنون بفشل هذا الكيد يقولون: أنفذوه الآن! أي: ولن تستطيعوا، اعملوا ما في إمكانكم، اعملوا كل ما يمكنكم أن تفعلوه من الكيد، ولذلك قال: ((وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ)) استهانة بهم، وتقيناً بوعد الله.

من أين يصل الإنسان إلى هذه الدرجة؟ يصل إلى هذه الدرجة من الاستهانة بقوة العدو الكبيرة جداً في موازين أهل الدنيا بكمال اليقين، والتوكل على الله سبحانه وتعالى.

ثم قال سبحانه: ((إِنَّا عَامِلُونَ)) أي: على طريقتنا، وأيضاً على تمكننا، وهذا هو الواجب، أي: أن نتحسس أسباب الخير، ونأخذ بما نقدر عليه من الأسباب؛ لأن الأسباب الظاهرة المادية فيما يبدو لملايين المسلمين منعدمة، وليس بأيديهم أن يصنعوا شيئاً.

ليس العلاج عباد الله! تلك التصرفات اليائسة، ونسميها يأساً؛ لأنها بالفعل ليست على الطريق، كمثل إنسان أصابه بلاء شديد وكرب وغيظ من عدوه، ومن شدة الغيظ وهو لا يستطيع أن ينال منه شيئاً، قام إلى الحائط الذي أمامه وضرب رأسه فيه، فنزف الدم، فشعر بنوع من الراحة، وأنه قد فعل شيئاً حتى لا يكون سلبياً! كما قد يحلو للبعض أن يفعل، لا يستطيع أن ينزل علم اليهود من فوق بلاد المسلمين، ولا يستطيع أن ينال منهم شيئاً، فيأتي بقماش يرسم عليها علمهم، ثم يدكها برجله، ويحرقها بناره، وهو الذي صنعها! تصرفات عجيبة، مثل المخدرات فعلاً، أي: كأن يخدر الإنسان ويشعر بأنه قد أدى ما عليه؛ لأنه يوهمه أنه صنع شيئاً، مثلما تصور الهزائم الثقيلة جداً على أنها نصر هائل، فيخرج بعد أن استجاب للعدو بكل ما يطلب منه رافعاً علمه، فهذا ليس انتصاراً عربياً.

فهذه الهزيمة العجيبة ليست نصراً، والنصر في نظرنا الآن هو: أن يبقى فلان حياً، وأن يفرض حصار حول كنيسة، حينها نكون قد انتصرنا انتصاراً تاماً، وحققنا كل ما نريد.

كما أن النصر ليس كمن يكتب وثيقة بالدم: بالروح بالدم نفديك يا فلسطين! كما يفعل ذلك بعض الشباب.

كلها تصرفات يائسة بالفعل!