للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بلاء الاستكانة أمام مبادئ الأعداء]

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦] لماذا قدر الله ذلك؟ الجواب في قوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال:٣٧] ولنفقه هذه المعاني جيداً، ونسلك طريق التوكل والاتباع فعلينا بما في قوله تعالى: ((فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ))، إن طريق تحقيق مزيد من العبودية ليس طريق المخدرات الفكرية، أو العقلية، أو الميئسة، أو تصرفات جاهلة لا تصنع شيئاً، ونتصور أنها حققت أكبر النصر، وإنما هي استكانة للعدو، وفي الوقت نفسه نظن أنها تجعله يعاني أعظم العذاب.

إن كثيراً من المسلمين يقبل ما يريده اليهود والنصارى وغيرهم ممن يواليهم على دينهم، فإن كان يتصور أنه يحاربهم أشد الحروب، فهذا وهم كبير، وهذا في الحقيقة بطولة زائفة، تصنع من ورق مقوى صنع في بلاد الأعداء، مثل: بطولة كمال أتاتورك، يوم فتح أزمير؛ حتى خاطبه أحمد شوقي بقوله: يا خالد الترك! جدد خالد العرب شبهه بـ خالد بن الوليد، لما فتح أزمير بعد أزمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، واحتلال الحلفاء لإسلام بولي عاصمة الخلافة، ولكن جاء المخلص المنقذ، والبطل الزائف المصنوع في بلاد الأعداء، وانسحبوا من أمامه في أزمير واستمر في فتوحاته، إلى أن فتح أنقره، وإسلام بولي مرة ثانية، سلموها له؛ ليفعل ما لا يقدرون عليه من أذية المسلمين وحرب الإسلام، ويفعل ما هو أشد فتكاً بالمسلمين، ليعلن إنهاء الخلافة، ويعلنها علمانية صرفة، ليعلن تحريم الشريعة، لا مجرد إباحة مخالفة الشريعة، لا، بل يعلن تحريم الشريعة، وتجريم من يطالب بتطبيقها، وسن قوانين عجيبة بعد أن انتصر، والأمة أرغمت على قبول ذلك، فسن قانون: أن من يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية يعاقب بالسجن ثمان سنوات، ومن يطالب بذلك ويعمل عملاً جماعياً من خلال منظمة يعاقب بالسجن مدى الحياة، وحارب بكل ما أمكنه من قوة لتغريب تركيا بالكلية حتى أنه غير الحروف العربية إلى حروف لاتينية، وحرم الطربوش والعمامة، وألزم الناس بالقبعة، أما معركة القبعة هذه فقد قتل فيها من قتل، وحرم الحجاب تماماً، فلا يمكن أن تدخل امرأة محجبة إلى أي مكان رسمي، أمور عجيبة!! حرم حتى تحفيظ الناس أولادهم القرآن، زيادة على ما يقرره هو وزبانيته، ومن يخالف ذلك يعاقب بالسجن ثلاث سنوات.

فلا تسأل عما يمكن أن يكون وقع في تلك البلاد من تدمير لتلك الأجيال التي توجد الآن هناك، نشأت منذ أكثر من ثمانين سنة في ذلك الوسط، وتربت على ذلك وترعرعت عليه، فبالفعل فعلوا ما لم يفعله الأعداء، نسأل الله العافية.

المقصود: أننا لا نريد أن نترك العمل الواجب إلى تصرفات جاهلة من الأوهام ونحوها، ونقبل بهذه البطولة الزائفة غير الحقيقية، ولذلك نقول: من الاستكانة أن تقبل مبادئ الأعداء، وهم يريدون أن يفقدوا المسلمين ولاءهم لهذا الدين، وبراءتهم من الشرك.

وأعداء الدين يقولون عن الموحدين أنهم يقولون: إنهم هم المؤمنون فقط، والذين لهم الجنة، وكل من خالفهم فهو كافر، ولا بد أن يعادى، فلا بد إذاً أن تحذفوا هذه الآيات من القرآن، إنهم يصرحون بذلك، ويوافقهم عليه المستفيدون منهم دنيوياً، وإن كانوا يزعمون أنهم قاوموهم كل المقاومة.

فهم ينادون: لا بد أن نعيد النظر في الخطاب الديني هكذا يقولون، ولن يقولوا: لا لمثل هذه الدعوات، بل يزيدون: احذفوا آيات من القرآن، وهذا قد لا يستطيعون الجهر به، فهو عليهم صعب، لكن يقولون: افهموا الآية فهماً صحيحاً، وكأن الأعداء فهموها على ما هي عليه، فهم يقولون: ليس المقصود منها أن تعادوا الكفار أو تتبرءوا منهم، بل المؤمن هو كل من آمن بوجود الله، فاليهود والنصارى مؤمنون، وكذلك كل من آمن بوجود الله، بالإضافة للمؤمنين طبعاً، بل هؤلاء المتطرفون كفرة، الإرهابيون ليسوا مسلمين، فلا بد أن يكفر بهم، وأما الآخرون فهم المؤمنون، هكذا يزعمون، وإلا فأخبروني عمن ينادي سكان المعمورة على اختلاف أديانهم بصيام يوم عالمي من أجل نصرة فلسطين، أليست هذه استكانة رغم أنها في صورة مقاومة؟! فمن تخاطب يا عبد الله؟! وكيف تقول للكفرة: صوموا على اختلاف أديانكم؟ هل تريد من الهندوسي أن يصوم؟ اطلب منه أولاً أن يزيل الكفر الأول، لكن تراهم يقولون: يصوم النصارى والمسلمون معهم، وكل واحد يصوم بطريقته، وينادي بعدها ويقول: هؤلاء هم المؤمنون الأحرار، ما هذا البلاء؟ إنه بلاء فعلاً، واستكانة ومرض، ويأس في الحقيقة رغم أنه يزعم أنه لم ييئس لكن الحقيقة أنها تصرفات يائسة لا تقبل بحال من الأحوال، فهذا هو الذي يريده العدو، إنه يريد أن تفقد هويتك.

الذين يقولون: نحن لابد أن نغير الخطاب الديني؛ من أجل أن ننزع من الناس الولاء والبراء، الذي فيه فرق بين الإسلام والكفر، وسنفسر لهم الآيات على غير ما فهمه الأعداء قبل الأصدقاء، فهم الأعداء بحق، وقالوا للناس: يجب أن تراجعوا المناهج، وبعض الآيات في المصحف يردونها، لكن نحن لا نقبل هذا ونقول: إن هناك آية تقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة:٥١].

أخبرني بعض الإخوة أن بعض مشايخ السوء قال له الكفار: أنتم تكفروننا، بدليل آية عندكم في القرآن تقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:١٧]، ونحن نقول هكذا، قال له: لا، هذه لم تنزل فيكم أنتم، بل نزلت في النصارى أيام النبي صلى الله عليه وسلم -والعياذ بالله- استكانة فعلاً، هذا تكذيب لكلام الله عز وجل، أي: تكذيب للقرآن.