للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التربية الصالحة]

قال: وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذٍ، وأرجأ آخرين حتى أمضاهم يوم الخندق، وكان بعد هذا اليوم بقريب من سنتين، وكان فيمن أرجأهم عبد الله بن عمر رضي الله عنه، ولم يجز إلا الذين كانوا أشداء على القتال، فالرسول صلى الله عليه وسلم الذين وجدهم قد نازلوا أو قد بلغوا وعندهم القدرة على القتال أجازهم في الجيش.

وهذا فيه دليل على أن الصحابة كانوا يربون أبناءهم على حب الجهاد في سبيل الله عز وجل وعلى التضحية والبذل، كانوا يربونهم على ذلك وهم صبيان يناهزون البلوغ، وأعمارهم ما بين إحدى عشرة أو اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة، فالذي عمره ثلاث عشرة يعني أنه في عمر من هو في الصف الثاني الإعدادي في هذا الزمان، ومع هذا كانوا يحرصون على أن يكونوا في جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجازهم النبي عليه الصلاة والسلام للقتال، وبعضهم كان عمره أربع عشرة وبعضهم خمس عشرة سنة، وأياً ما كان سنهم فإن البذل والتضحية في مثل هذا نادر، لكنه متصور من أبناء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، الذين اختارهم الله عز وجل على الأمم، فالعبرة كانت في ذلك ليست بالسن ولكن بإطاقة القتال.

قال: وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس، قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار.

وهذا فيه فائدة مهمة جداً، وهي: أننا ذكرنا أن مصعباً من بني عبد الدار، كان هو حامل لواء المسلمين، وحامل لواء المشركين كان من بني عبد الدار أيضاً، فهنا فائدة مهمة وهي: أن العرب كانت الرابطة التي تربط المجتمع عندهم هي رابطة القبلية، ورابطة العائلة، والأسرة الواحدة، لكن الإسلام فرق بينهم، فليس هناك عبرة بالأنساب طالما اختلفت العقيدة، وطالما اختلفت الملة والدين، فلا عبرة بما هو أدنى من ذلك، فكان عندهم من أقوى الروابط رابطة العائلة والأسرة، فهذا بطن من بطون قريش، وليس قبيلة كبيرة، وهكذا من الروابط وحدة المنشأ ووحدة الوطن ووحدة القومية، ووحدة اللغة، فالأسرة الواحدة كلها موجودة، وحامل لواء المسلمين مصعب من بني عبد الدار، وحاملوا لواء المشركين كانوا تسعة متتابعين، أو جملة متتابعة من بني عبد الدار، فرابطة العقيدة وآصرة الدين هي الآصرة التي يؤسس عليها المجتمع المسلم، وتبنى عليها الطائفة المؤمنة، دون نظر إلى الروابط الأخرى، ولو وجدت الروابط الأخرى فهذا آكد، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يقاتل الرجل تحت راية قومه؛ ليكون مع القريبين من قبيلته؛ لأن هذا أقوى له، وهم أعلم ببعضهم، ويستطيعون التعامل مع بعضهم بطريقة أنسب، فأهل الرابطة الواحدة أعرف بطباع بعضهم من غيرهم، وهم أعلم بما يحبه قومهم وما لا يحبونه، فهذا أمر مطلوب ولا مانع منه.

ولما أن تكون العقيدة واحدة وأضيفت إليها روابط الأسرة الواحدة أو العائلة الواحدة أو الوطن الواحد، أو القومية الواحدة هذه كلها تصبح جملة روابط مؤكدة لرابطة الإيمان، فلا نأباها ولا ننبذها؛ لأنها مؤكدة للرابطة الأصلية، رابطة العقيدة التي اجتمع عليها المجتمع المسلم، وبنيت عليها الطائفة المؤمنة، لكن عند أن تتعارض معها وتخالفها فلا بد أن تقدم رابطة الإيمان ولا عبرة بما سواها من الروابط.

ولذلك قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم حبال الجاهلية ووصل الأمة بحبل الإسلام؛ وهو حبل واحد، فكل رابطة تعارض أو يراد لها أن تكون بدلاً عن رابطة الدين، والتوحيد، والإيمان فهي رابطة مقطوعة، ولا عبرة بها، وأما إذا كانت مع رابطة الدين فهي تعضدها وتقويها، وينتفع بها في سبيل تحقيق الغايات المحمودة من رابطة الدين ومن طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.