للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القرآن لا ينتفع به الكفار والمنافقون]

ما أشد تفاوت القلوب وتباين منازلها، فالأرض الطيبة يأتي عليها هذا الكتاب فيحييها بعد موتها، وتنبت أنواع الخيرات والبركات، وأما الأرض الخبيثة كقلوب الكفرة والمنافقين الذين لا ينتفعون بالقرآن، ولا يتعظون بمواعظه، ولا يأتمون به، ولا يحلون حلاله، ولا يحرمون حرامه فهؤلاء لا يزيدهم القرآن إلا خساراً وطغياناً وكفراً، قال سبحانه وتعالى مبيناً ذلك {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة:٦٤]، والمنافقون يزدادون رجساً إلى رجسهم، كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:١٢٤ - ١٢٥].

وإذا أردت أن تعلم حقيقة الإنسان الذي تعامله فانظر إليه عند سماع القرآن؟ وفي مواسم القرآن؟ فإذا وجدته من الناس الذين يزدادون إيماناً وهدىً وتفريقاً بين الحق والباطل؛ فيستبصر طريق الحق من طريق الضلالة، ويستهدي بهدى القرآن، فيرشده الله عز وجل إلى التي هي أقوم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩]، فاعلم أن أرض قلبه طيبة، وأما من وجدته في مواسم القرآن والطاعة وعند سماع كتاب الله يزداد مرضاً إلى مرضه، ويغرق في الشبهات، فيلبس بين الحق والباطل، ويغرق في الضلالة غرقاً فاحذره وابتعد منه.

فمرض الشبهات مرض عضال في قلوب الكفرة والمنافقين، حيث يزيدهم القرآن التباساً؛ لأنهم لم يتلقوه بالقبول والتسليم والتصديق والإذعان، فإذا تليت عليهم آيات الله لم يزدادوا إلا رجساً إلى رجسهم، وضلالاً إلى ضلالهم، حتى إن بعضهم يسوي بين الكفر والإيمان، وبين عبادة الرحمن وعبادة الشيطان، فيرى ذلك كله حقاً وإيماناً وخيراً وإحساناً، وهذا دليل موت القلب قطعاً، فالقلب الذي ذاق طعم الإيمان لا يمكن بحال من الأحوال، ولا بعذر من الأعذار أن يسوي بين عبادة الله سبحانه وتعالى وبين عبادة العباد، ولا يمكن أن يستوي لديه تصديق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسائر النبيين والمرسلين، وبين تكذيبهم والرد عليهم، وكيف يكون ذلك؟! والله! ما يشتبه هذا الأمر إلا على من ختم الله على قلبه وسمعه، فيشك في الصراط المستقيم ولا يدري أهو دين الإسلام أم غيره من ملل الكفر من يهودية ونصرانية وعبادة أوثان، وغير ذلك من أنواع الكفر؟! ولا يشك في الصراط المستقيم، ولا في الكتاب الذي أنزله الله إلا من طمس الله بصيرته، وأعمى قلبه عن نور الوحي المبين؛ لأنه لم يذق في حياته طعم الإيمان، ولم يجد أثر علاج القرآن للشبهات التي في قلبه، وذلك لخبث قلبه {وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:٨٢]، فازداد كثير منهم بما أنزله الله على رسوله طغياناً وكفراً، كما قال عز وجل: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المائدة:٦٨].

فإذا وجدت الإنسان يزداد مرض الشهوات عنده في مواطن الخير وعند سماع الكتاب، فاعلم أنه إنسان غارق في النجاسات والشهوات الحقيرة والعياذ بالله، ولا يعرف من الدنيا إلا شهوة الطعام والشراب أو الجنس أو المال أو الرئاسة والملك، لا يعرف من الدنيا غير ذاك، وهو مشغول ليل نهار بهذه الخبائث والمنكرات، والخبيثات للخبيثين، فالخبيثات من الأقوال والأعمال للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس لهذه الخبيثات من الأقوال والأعمال، وهذا عند أهل الإيمان من أوضح دلائل توحيدهم وصدق معتقدهم؛ لأنهم ذاقوا الفرق، وعرفوا الحقيقة بين العمى والبصيرة، كما قال عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:١٩ - ٢٣].