للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نتائج النظر إلى حكم المصائب والآلام]

لكن لو نظرنا إلى هذه المصالح والحكم ونظرنا إلى أسمائه وصفاته التي من مقتضياتها تقدير هذه الآلام لذابت الآلام، ولكانت حلاوة محبة الرحمن سبحانه وتعالى وحلاوة الإيمان به والشوق إليه عز وجل والرضا به وتفويض الأمور إليه سبحانه وتعالى مذهبة لآلام المسلمين كلها، وعندما تظهر لهم الحكم أو يظهر لهم من الحكم يوم القيامة ما لم يكن قد ظهر قبل ذلك يود هؤلاء المعذبون المستضعفون أن لو سحبوا من يوم ولدتهم أمهاتهم -بل من يوم خلقت الدنيا- إلى يوم القيامة على وجوههم في الله عز وجل، أما ورد في الحديث الصحيح ما يدلنا على ذلك؟! فإنه قد جاء في الحديث أنَّ الشهداء الذين قتلوا يوم أحد طلبوا من ربهم حين اطلع عليهم اطلاعه، وسألوه أن يعودوا إلى الدنيا ليقتلوا فيه مرة أخرى.

ألم يجد عبد الله بن حذافة رضي الله عنه حلاوة البذل وحلاوة الإيذاء؟! عجب -والله- أن يقال: حلاوة الإيذاء، لكنها القلوب المؤمنة التي بعين البصيرة رأت ما وعدها الله عز وجل.

فـ عبد الله بن حذافة حين رفع ليلقى في قدر من نحاس كان يغلي فيه الماء رأى عظام بعض أصحابه تلوح فبكى فظنه ملك الروم قد فزع من الموت، فلما سأله قال: أبكي لأن لي نفساً واحدة تلقى في هذه القدر ساعة في الله عز وجل، ولقد وددت لو أن لي بعدد شعر رأسي أنفساً يفعل بها ذلك في الله عز وجل، فالحمد لله على هذه المحبة التي قذفها في قلوب أوليائه وجعلهم بها سبحانه وتعالى لا يرون تلك الآلام، بل يستعذبونها في الله سبحانه وتعالى، ويود أهل العافية في الآخرة حين يرون أجور البلاء أن لو قرضت جنوبهم بالمقاريض في الله عز وجل سبحانه وتعالى، ونسأل الله العافية، ونسأله سبحانه وتعالى الإعانة وحسن عبادته عز وجل.

كل ذلك نقوله مقدمة لكي لا نيأس من الآلام الكثيرة، وإن كان غرضنا في الحقيقة أن نبحث في تقصير الأبناء بعد أن سمعنا كيد الأعداء، ونريد أن نتعلم ما يلزمنا، ونريد أن نعرف واجبنا من تقصير أبناء هذه الأمة الذي أدى إلى وجود الآلام؛ لكي ندعو كل المقصرين -ونحن من أولهم- إلى التوبة من التقصير والعودة إلى الله سبحانه وتعالى، فإن أبناء الأمة في التقصير على درجات متفاوتة، والحقيقة أن التقصير هو المؤلم لصاحبه قبل أن يكون جالباً للآلام إلى غيره، والبعد عن الله هو الجالب لألم الخوف والرعب، فإن الأمن والإيمان قرينان كما أن الظلم والخوف قرينان.

فنسأل الله المؤمن المهيمن أن يؤمننا في بلادنا وأوطاننا، وأن يؤمن المسلمين في المشارق والمغارب، فالله سبحانه وتعالى هو وحده الذي بيده الأمر كله، فاللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.