للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منفذو مخططات عدو الإسلام عن علم أو عن جهالة]

إنَّ فريقاً من أبناء هذه الأمة تقصيره أعظم التقصير، وبه نبدأ؛ لأنه أحوج الناس إلى التوبة إلى الله عز وجل، فهذا الفريق تقصيره ليس تقصيراً عادياً، إن هذا الفريق باع نفسه لعدوه والعياذ بالله؛ لأنه رأى الدولة للكفرة والظلمة والمجرمين، فباع نفسه لهم، وباع دينه بعرض من الدنيا فصار لمخططات الأعداء منفذاً، ولمكرهم يداً قذرة نجسةً تطبق ما يريد الأعداء، وجعل من لسانه لساناً للعدو ينشر به الأباطيل والضلالات التي يريد العدو نشرها في المسلمين ليتمكن من ذلك الجسد الواحد؛ لأن أعداءنا يعلمون أنهم لا يقدرون على المسلمين وجسدهم حي ومجتمعهم موجود وإسلامهم في قلوبهم، لا يقدرون على المسلمين إلا إذا كانوا مخدرين، وانتشرت الأمراض في ذلك الجسد، لذا أحبوا نشر البدع والضلالات والكفريات، وبدلاً من أنه كان في غابر الأزمان يتكلم الكفار ويطعنون في الإسلام جاء أناس من أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس يتكلمون بما يريد الأعداء حتى طعن منهم من طعن في وجود الله عز وجل وبقائه وحياته، وطعن منهم من طعن في كتابه وكلامه، وأرادوا تصويبه بالقلم الأحمر خسئوا وخابوا والعياذ بالله، ووجد منهم من يطعن في شرع الله ويصفه بالتخلف والرجعية والعياذ بالله، ووجد منهم من يطعن في أحكام الله عز وجل ويتركها ذاهباً إلى ما أوجدته زبالة الأذهان وسخافة العقول الأرضية البشرية الوضعية، ووجد في المسلمين من أراد آباؤهم أن يكونوا مسلمين بالفعل، ودليل ذلك أن الأب حين سمى ابنه محمداً أو أحمد أو غير ذلك من الأسماء الإسلامية كان يريد له أن يعبد الله عز وجل، وما تصور في يوم من الأيام أن يكون حرباً على الإسلام والعياذ بالله من ذلك، فوجد من يصد عن سبيل الله، ووجد من يحارب الإسلام، وهذه الفئة منها من يفعل ذلك على بصيرة، وهو يعلم أنه ينفذ مخططات الأعداء الذين يريدون الصد عن سبيل الله ويريدون أن ينقلب الناس على أعقابهم، كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:١٤٩]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران:١٠٠]، فعلموا أن الأعداء يريدون ذلك فطبقوا، وسعوا في نشر ما يحبه الأعداء من نشر الفاحشة، فهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويكرهون أن ينتشر القرآن والصلاة والحجاب، ويكرهون أن تنتشر دعوة الله، فهؤلاء الواحد منهم على بصيرة، ويعلم أنه جندي ذليل خبيث لأعداء الله عز وجل، باع كل شيء علناً والعياذ بالله، وقديماً كان يستتر، وإذا به الآن يعلن أنه قد باع كل شيء ليكون أذل من كلب عندهم، نعوذ بالله من ذلك.

هذا الصنف من الناس هو -والعياذ بالله- في أسفل الدركات إن لم يتب إلى الله عز وجل، وقد دعاه الله إلى التوبة، بل إن هذا الصنف يكون مع أعداء الإسلام في الدركات السفلى؛ لأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٥١]، لذلك نقول لهؤلاء: دعاكم ربكم عز وجل إلى التوبة فلا تحاربوا دينه أبداً؛ فإنكم لستم تطيقون حرب الله عز وجل، فالله ناصر دينه مهما حدث، كما أخبر عز وجل بقوله: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:٨ - ٩].

وهناك صنف من هذا النوع أيضاً ليس على تلك البينة، لكنه متابع لأهل الباطل، متابع لأعداء الإسلام ينفذ مخططاتهم وينفذ ما يريدون، وهذا الصنف نوجه له قول الله سبحانه وتعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان:٢٤] لأننا ما زلنا نعده من أبناء الأمة وإن كان مخدوعاً، لكن تيقن -أيها المخدوع- المنفذ لمخططات أعداء الله المعين لهم على ما يريدون من أذية المسلمين وآلامهم وذبحهم وانتهاك حرماتهم وإذهاب دعوة الحق من بينهم أنك إن استمريت على ذلك فمصيرك مصيرهم، وإن كنت لا تريد أن تفتح عينيك على هذا المصير فإنا نوجه لك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، وتعلم من ذلك أن أهل هذا الشر نوعان: النوع الأول: الدعاة، والنوع الثاني: المستجيبون لهؤلاء الدعاة على أبواب جهنم.

والحال أن من أجاب الدعاة إلى جهنم قذفوه فيها.

فاحذر على نفسك أن تكون جندياً لأعداء الله، فإن الله لا يرضى إلا بأن يجعل مصير الأتباع كمصير السادة والكبراء، كما قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب:٦٧ - ٦٨]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:١]، وهذا هو الخطر العظيم، وهذا هو أعظم التقصير، وهؤلاء يتحملون أوزار الدماء المسفوكة من الأرواح التي أزهقت بغير حق، والأعراض المنتهكة في المشارق والمغارب، في البوسنة، وفي كوسوفا، وفي كشمير، وفي فلسطين، فكل هذه الحرمات المنتهكة إنما يكون على هذا الصنف من المقصرين أكبر الوزر منها، يسائلهم الله عز وجل عنها يوم القيامة لأنهم كانوا السبب الأول في هذه الآلام والمحن وشاركوا وأعانوا.