للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خوف الأنبياء عليهم السلام من أهوال يوم القيامة]

يوم القيامة يخاف الأنبياء من غضب الرب ويقولون واحداً بعد واحد: نفسي! نفسي! نفسي! فيقولها آدم عليه السلام الذي أسجد الله له ملائكة، وكلمه قبلاً، وخلقه بيده، وعلمه أسماء كل شيء، وتاب عليه وهدى، واجتباه ربه سبحانه، وجعله نبياً، ويقولها نوح عليه السلام، ويقولها إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن الذي وقف المواقف العظيمة الذي أثنى الله عز وجل عليه بقوله: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:٣٧]، وبقوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:١٢٤]، فإبراهيم عليه السلام يقول: نفسي! نفسي! اذهبوا إلى غيري، وكذلك موسى عليه السلام الذي وقف في مواجهة فرعون وكلمه الله عز وجل، وقربه نجياً يقول نفسي! نفسي! كذلك عيسى عليه السلام لا يذكر ذنباً، ولكن يقول: لا أسألك إلا نفسي؛ فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها أنا لها أي: الشفاعة.

فانظروا عباد الله إلى هذه المواقف العظيمة، واعلموا أنكم ملاقو الله، فلقاؤه حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، فهل ندرك حقائق هذه الأشياء؟ وهل نحن مؤمنون بها كما أخبرنا بها القرآن؟ إن أكثر ما ذكرنا إنما هي آيات في كتاب الله الذي يقول المسلمون كلهم عنه: نحن نؤمن به قطعاً ويقيناً وصدقاً، ولكننا نحتاج إلى أن نتدبر، وأن نستحضر هذه المواقف الهائلة التي تنتظرنا، حتى تصغر الدنيا في أعيننا، وحتى تكبر الآخرة في قلوبنا، وحتى كأننا نرى الجنة وقد دخلها أهلها وهم يتنعمون فيها، والنار وقد دخلها أهلها وهم يتعذبون فيها، وحتى كأننا ننظر إلى عرش ربنا بارزاً، وقد جاء سبحانه لفصل القضاء بين العباد الذين هم في عرصات يوم القيامة، في أرض عفراء بيضاء كقرص نقي ليس فيها معلم لأحد، أي: كرغيف الخبز المصنوع من الدقيق الذي يكون بياضه مشوباً بشيء من الصفرة، ليس فيها ارتفاع ولا انخفاض، قال عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:١٠٥ - ١٠٧] أي: ولا ترى فيها ارتفاعاً ولا انخفاضاً، ولا ترى فيها وادياً، فالعوج وهو الأرض المنخفضة، ولا أمتاً، وهو الأراضي المرتفعة عن الأرض، فيذر الأرض قاعاً أي: أرضاً مستوية، ملساء، صفصفاً أي: ملساء، لا ترى فيها ارتفاعاً ولا انخفاضاً، ولا ترى فيها وادياً ولا رابيةً، بل هي أرض مستوية، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وهذا كله يتضمنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق).

نسأل الله عز وجل العافية، ونسأله عز وجل أن يدخلنا الجنة، وأن يعيذنا من النار، وأن يجعل خير أيامنا يوم نلقاه سبحانه وتعالى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.