للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حلم الداعية ورحمته بالمدعوين]

إبراهيم عليه السلام حين مرت به الملائكة بشروه بهلاك قوم لوط، وبشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، كما قال سبحانه وتعالى عن امرأته: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:٧١]، فالله سبحانه وتعالى بشر امرأته سارة بذلك على لسان الملائكة جزاء على صبرها واحتسابها، وبعد ذلك جعل إبراهيم يجادل في قوم لوط، فقال سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:٧٤ - ٧٥].

فهو يجادل في قوم لوط في تأخير العذاب عنهم، حيث قال: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت:٣٢].

فهو يريد منع العذاب العام على قرى قوم لوط؛ لأجل وجود لوط عليه السلام، وهذا من حلمه عليه السلام، وقد وصف كذلك بكثرة دعائه وقنوته لله عز وجل، كما قال تعالى: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ)) أي: مسبح ذاكر لله عز وجل، قانت لله كثير الإنابة، فهو حليم لا يعجل ولا يريد إنزال العقوبة بسرعة، بل يريد تأخير العذاب لعل الله عز وجل أن يهديهم، وقد كان ابنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم صبوراً حليماً، سيما عندما رد عليه قومه ما جاء به، وأتاه جبريل بملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين إن شاء، فقال: (بل أستأني بهم، فلعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً)، وقد كان.

وبهذا تحصل للإنسان المراتب العالية من الحلم والصبر والاحتساب عند الله عز وجل، وكثرة الدعاء والإنابة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الأواهين المنيبين.