للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فزع المؤمن إلى ربه في الشدائد]

كان إبراهيم عليه السلام عندما يصيبه أمر يفزع إلى الله عز وجل، ويلتجئ إلى الصلاة والدعاء، كما في قصته مع جبار مصر حين أتى بامرأته سارة إلى مصر، وعلم إبراهيم أنه لو أخبرهم أنها امرأته لقتلوه وأخذوها، فقال لها: ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، وأنت أختي في دين الله، فأخذها الجبار وأراد أن يتناولها، ووقف إبراهيم يصلي ويدعو الله عز وجل.

وهكذا المؤمن كثير الدعاء، يدعو ربه سبحانه وتعالى في الشدائد والمحن، ويلجأ إلى الله عز وجل أن يعصمه وأهله، وأن ينجيه من كل سوء كرب.

فأخذ الله سبحانه وتعالى ذلك الجبار الظالم الذي أراد أن يتناول سارة، وأكرمها سبحانه وتعالى وعصمها منه مرات متتابعة، فكان كلما أراد أن يهوي بيده إليها أخذ وشلت يده، حتى قال: اذهبوا بها، إنما أتيتموني بشيطان ولم تأتوني بإنسان، اذهبوا بها وأعطوها هاجر.

فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام وهو واقف يصلي، فلما انتهى من الصلاة قال: مهيم -أي: ما شأنك-؟ فقالت: رد الله كيد الفاجر، وأخدم هاجر.

وكان ذلك من فضل الله سبحانه وتعالى.

فالعبد المؤمن كثير الدعاء، والدعاء يسمعه الله عز وجل من عباده المؤمنين، وبه تتغير موازين الناس، والله سبحانه وتعالى يرفع ويخفض، وهو سبحانه كل يوم هو في شأن، يفرج كرباً، ويغفر ذنباً، ويفك أسيراً، ويطعم من يشاء، ويغني ويفقر، ويميت ويحيي، ويسعد ويشقي، وجعل سبحانه وتعالى من أسباب الخير لابن آدم كثرة الدعاء، وإبراهيم إمام في الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.

فعلينا بهذا السلاح العظيم الذي لو صدقنا الله عز وجل فيه، ودعونا الله عز وجل بانكسار وضعف وشعور بالفقر والحاجة إليه سبحانه وتعالى لغير الله عز وجل ما بنا، وذلك بشرط عدم الاستعجال، فكثير من الناس يقولون: نحن ندعو منذ سنين ولم يتغير الحال، ونقول: بل قد تغير بفضل الله سبحانه وتعالى، فقد كانت الأمة قبل عقود قليلة من الزمن بعيدة تمام البعد عن الله عز وجل، وأكثر شبابها ورجالها ونسائها لا يعرفون حتى الصلاة، ولا يؤدونها، بل كان أمراً معتاداً منذ سنوات ليست بالكثيرة أن يكون كل الشباب لا يحافظون على أداء الصلاة، وأن تكون المساجد خاوية من أهلها، وأن لا يكون هناك علم بالكتاب ولا بالسنة، وإنما يسير الناس في شهواتهم ورغباتهم.

وإن تسلط الأعداء على الأمة فإن ذلك من أسباب ردها إلى الله سبحانه وتعالى، وعودة المسلمين إلى الله عز وجل ارتبط بأحداث جسام تقع لهم، وهذا من أسباب رحمة الله بهم، كما قال عز وجل في بني إسرائيل حين ذكر تسليط الأعداء عليهم: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء:٨]، فمن كان عنده بقية من إيمان، وسلط الله عز وجل عليه أنواع البلايا والمحن فلأجل أن يزداد إيماناً وتسليماً، ولأجل أن يرحمه الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن نقول: دعونا فلم يستجب لنا، فإن ذلك من موانع إجابة الدعاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي).

والاستعجال آفة خطيرة في الإنسان، وإنما تقاس أعمار الأمم بعشرات السنين بل بمئاتها، وليس بأعمار أفرادها، فكم من التغيرات تقع في حياة بشر لها مقدمات في الأجيال التي سبقتهم.