للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سجن الظالمين أهون من سجن الهوى]

ثم قال تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} [يوسف:٣٥] ليس للنساء فقط بل للكل، للنساء وأزواجهن والملأ، {بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ} [يوسف:٣٥] أي: علموا براءة يوسف عندما رأوا قميصه قد من دبر، وعرفوا تماماً أنه بريء، ومع ذلك رأوا أن إسكات القضية تكون بسجن يوسف، وذلك حفاظاً على سمعة امرأة العزيز، وقد أقنعتهم بكيدها ومكرها أن يسجن يوسف حتى تنفذ تهديدها له، بقولها: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:٣٢]، ويوسف عليه السلام لو استجاب لها لكان في سجن الهوى وهو أشد، ولصار من الصاغرين فعلاً، ولو استجاب لها لصار هناك طابور طويل ينتظر الدور، وليست امرأة العزيز وحدها، وإنما كما قال عز وجل عنه: ((وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ)) يعني: أن البداية ستكون مع امرأة العزيز ثم مع هؤلاء النسوة، وستكون صورة فظيعة غير محتملة لو فعل، لكن الله عز وجل ثبته، فنسأل الله أن يثبتنا! وقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف:٣١] أي: أعظمنه، وهبنه في قلوبهن، فله هالة عجيبة، وهكذا المؤمن الصادق عندما يراه الكفرة صامداً يكون له عندهم قدر من التعظيم.

وكما قال الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام:٣٣] فقد كانوا يقولون عنه: أمين، فـ أبو سفيان مع كل العداوة التي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، عندما سأله هرقل: هل جربتم عليه كذباً؟ قال: لا.

يعني: أنهم يشعرون بعظم منزلته ومكانته.

فالنساء أكبرن يوسف وأعظمنه، فله هيبة وجلال، ولما رآه الملك قال: ((إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)) ومعنى مكين: أي: ذو مكانة، وأمين أي: مستأمن.