للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب طاعة أولي الأمر في غير معصية]

قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:٥٩].

فأمر الله عز وجل بطاعة أولي الأمر، ولكنها طاعة مقيدة بما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنما الطاعة في المعروف)، وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وقال: (لا طاعة لمن عصى الله)، وقال الصديق رضي الله عنه في أول خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم).

فإذا كان الصديق لو أمر بمعصية فلا طاعة له، فكيف بمن دونه؟! فلا طاعة لأحد من أب أو أم أو ولي أو كبير أو عالم أو شيخ أو إمام أو ملك أو رئيس أو صاحب عمل أو أي أحد في معصية الله سبحانه وتعالى؛ لأن ذلك يقدح في أصل عظيم من أصول الإيمان، وهو أن الله سبحانه وتعالى أوجب طاعته وطاعة رسله على الخلق جميعاً، فكيف بمن يلزم الناس بخلاف ما أمر الله عز وجل به؟! فهذا خطر عظيم والعياذ بالله! ولذا كان على المسلم أن يكون منتبهاً لقضية الطاعة والمتابعة.

وقد حذر الله عز وجل من اتباع أهواء الذين لا يعلمون، فقال عز وجل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:١٨ - ١٩].

وقال عز وجل: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف:٣]، فلا بد أن يعرف المسلم لمن تكون طاعته وتبعيته، فيطيع الله ويطيع الرسول ويطيع أولي الأمر من المؤمنين وهم العلماء والأمراء الذين يقودون الناس بكتاب الله، فإن خالفوا ذلك لم تكن لهم طاعة، بل ولا يطاعون إلا إذا كانوا يتبعون ما أنزل الله عز وجل، ويتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:١٥٧].

وأمر الله سبحانه وتعالى إتباع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وبين أنه مبلغ عن الله سبحانه وتعالى أمره فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].

فقضية المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم جزء من العقيدة الإسلامية الإيمانية، وقد أمر سبحانه وتعالى باتباع سبيل المؤمنين وحذر من اتباع غير سبيل المؤمنين، فقال عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥]، والمقصود هنا: اتباع الإجماع، وذلك أن المؤمنين إذا كانوا جميعاً على أمر فهذا الأمر هو الحق قطعاً ويجب اتباعه، ويلزم أن يكون الإنسان عليه، فإذا خالفه فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، فيوليه الله ما تولى ويصله جهنم وساءت مصيراً.