للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قذف الله الرعب في قلوب أعدائه ونصره لنبيه وأوليائه]

يقول ابن كثير رحمه الله: ثم بشرهم بأنه سيلقي في قلوب أعداءهم الخوف منهم والذلة لهم بسبب كفرهم وشركهم مع ما ادخره الله لهم في الدار الآخرة من العذاب والنكال، فقال: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران:١٥١].

وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر)، وبالتخصيص بمسيرة شهر يدل على أنه رعب شديد، فمسافة شهر مسافة طويلة، والمسلمون ضعاف وقلة وبعاد ومع ذلك يخافهم أعداؤهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم نصر بالرعب مسيرة شهر، وهذه خصوصية له عليه الصلاة والسلام بالنسبة للأنبياء قبله، وأمته وارثته، فالأمة تنصر، ورعب أعدائهم منهم يتفاوت بحسب شدة التزامهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكلما التزموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كلما اشتد رعب أعدائهم منهم، وكلما ابتعدوا عن الالتزام بالسنة كلما هانوا على عدوهم، نسأل الله العافية.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة) وهذا الحديث متفق على صحته.

وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضلني ربي على الأنبياء - أو قال: على الأمم - بأربع، قال: أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجداً وطهوراً، فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي، وأحلت لي الغنائم) ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني.

وروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالرعب على العدو) رواه مسلم.

وروى الإمام أحمد عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً: بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي) لأن من كان قبلنا كانت تأتي نار من السماء تأكل الغنيمة؛ لأنه لا يحل الانتفاع بها، ثم أحلها الله لهذه الأمة.

ومعنى كون الأرض مسجداً وطهوراً: أنه يتطهر بها بالماء أو التراب، ففي أي مكان في الأرض أدركت الإنسان الصلاة فعنده ما يتطهر به، وكذا عنده مسجد يصلي في أي مكان، بخلاف من كان قبلنا فإنهم كانوا لا يصلون إلا في البيع والكنائس وأماكن العبادة، ولو فاتتهم هذه الأماكن ما استطاعوا أن يصلوا، فالحمد لله الذي جعل الله لنا الصلاة في أي بقعة من الأرض.

قال: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي، ونصرت بالرعب شهراً، وأعطيت الشفاعة، وليس من نبي إلا وقد سئل شفاعته) أي: سأل الدعوة التي وعده الله أن يجيبها له وأن يشفع لأحد بها، فتعجلوها.

قال: (وإني اختبأت شفاعتي، ثم جعلتها لمن مات لا يشرك بالله شيئاً) وهذا لكمال شفقته عليه الصلاة والسلام.