للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تكريم الله عز وجل لإبراهيم، وتشريفه له]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله ألله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسله، صلى الله عليه وآله وسلم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل إبراهيم عليه السلام كما قال الله: {أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:١٢٠ - ١٢١] فقد جعله سبحانه وتعالى إمام الحنفاء، وكرمه وشرفه بأن جعله باني بيت الله الحرام، الذي أوجب الله عز وجل على المكلفين حجه وقصده تعظيماً لله سبحانه وتعالى، وإرادةً لوجهه، وجعل سبحانه وتعالى ملة إبراهيم هي الملة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعها فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٣].

وجعل الله عز وجل له الثناء والذكر الحسن في الأمم كلها، فالكل ينتسب إليه، كما دعا بذلك عليه السلام فقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:٨٤].

وإن كان أتباعه حقاً إنما هم أتباع ملته الحنيفية التي بعث بها، وبعث بها كل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وحين يذهب الحجاج إلى بيت الله الحرام يذهبون معظمين لهذا البيت لبانيه، وكل ذلك عبودية منهم لله سبحانه وتعالى، مرددين نداء الرحمن على لسان الخليل عليه السلام، الذي أذن في الناس بالحج، فلباه من في أصلاب الرجال، ومن في أرحام النساء إلى يوم القيامة، حتى أذن الله عز وجل لهذه البقعة أن تعمر بذكره، وذلك حين تعمر بحجاج بيت الله الحرام.

ونتذكر دعوة إبراهيم عليه السلام وسيرته التي ذكرت في القرآن العظيم مرات عديدة؛ حتى نعي منها دروساً وعبراً، وحتى نعرف حقيقة التوحيد والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والبراءة من الشرك وأهله، والتضحية في سبيل الله.

عند أن تظهر لنا معان عظيمة من آيات الله سبحانه وتعالى التي قص لنا فيها أمر إبراهيم صلى الله عليه وسلم ومواقفه المختلفة؛ نعرف لماذا اتخذه الله عز وجل خليلاً، كما قال عز وجل: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:١٢٥]، والخلة: شدة المحبة، فهو حبيب إلى الله عز وجل، شديد الحب له سبحانه وتعالى.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بمنزلته عند الله وهي مقترنة بذكر منزلة إبراهيم عليه السلام فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الله اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً).

والنبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: يا خير البرية! فقال: (ذاك إبراهيم عليه السلام)، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم تواضعاً، أو قاله قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم، لأنه سيد الخلق أجمعين.

وأما إبراهيم عليه السلام فهو أفضل الخلائق على الإطلاق بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل من الملائكة المقربين، وأفضل من سائر الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فهو خير الخليقة على الإطلاق، بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لمواقفه العظيمة وإقامته لأمر الله سبحانه وتعالى، وقيامه بدعوة الحق، حتى صار من يعبد الله عز وجل في الأرض من بعده ينتسب إليه.

وأعلى أمر هؤلاء العباد أن يكونوا متبعين لملة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.