للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعيم القرب من الرحمن وشقاء القرب من الشيطان]

وقوله: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:٤٥].

أي: فتكون من أولياء الشيطان، ومن المقربين منه.

فتشقى شقاء لا نعيم بعده أبداً.

وإنما يشقى الإنسان بقربه من الشيطان، ويتنعم بقربه من الرحمن، وإنما صارت الجنة جنة؛ لأنها قريبة، وأهلها مقربون إلى الله سبحانه وتعالى، وإنما النعيم أصلاً في القرب منه.

وإنما يتنعم الإنسان في الدنيا إذا تقرب إلى الله، وإن كان لا يمكنه أن يتقرب ببدنه وإنما يتقرب بروحه، قال عز وجل: ((وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)).

ولذلك يسعد المقربون من الله، ويسعد من تقرب إليه سبحانه، والله يقترب منهم رحمة وإثابة منه سبحانه وتعالى؛ لتقربهم إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيه هرولة).

فمن قرب إلى الله سعد واستراح، وسكنت نفسه، ومن قرب من الشيطان تعس وشقي.

وقوله: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:٤٥] النار إنما هي بعد وعذاب، ولذا كانت اللعنة بعداً؛ لأن فيها الطرد والرجم، وصف الشيطان بالرجيم أي: المطرود المبعد، كما قال عز وجل: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:٧٨].

أي: عليه الإبعاد، فهو مبعد من رحمة الله.

والبعد عن الله عز وجل أعظم شقاء للإنسان، والمعاصي من أسباب البعد، وإنما يشقى الإنسان بالمعصية والكفر؛ لأنه بعد عن الله سبحانه وتعالى، وقرب من الشيطان.

فالشياطين إنما تأوي إلى كل قبيح، ولذا كانت مخالطة شياطين الإنس والجن والجلوس معهم في مجالس الفسوق والعصيان عذاب للإنسان، نعوذ بالله من ذلك.

ونعوذ بالله من ولاية الشيطان، ومن القرب منه، ومن طاعته، وكلها متلازمة، فإن من أطاع الشيطان واتبع أمره وقرب منه صار عدواً للرحمن، وولياً للشيطان، فكان -والعياذ بالله- معذباً في دنياه قبل أخراه، نسأل الله عز وجل أن يبعدنا عن الشيطان، وعن سبله، وأن يقربنا منه سبحانه وتعالى، وأن يرزقنا القرب منه في الدنيا والآخرة، وأن يرزقنا النظر إلى وجهه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.

اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين! ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.

اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا.

اللهم انصر عبادك المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وانصر الدعاة إليك في كل مكان، ونج المستضعفين من المسلمين في كل مكان.

اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم إنا نسألك الغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.