للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الولاء الواجب]

إن من أخص معاني الولاء والبراء: الحب في الله والبغض فيه، وهنا نجد أن أنواع الولاء والبراء هي: الولاء الواجب: والبراء الواجب، والولاء المحرم، والبراء المحرم.

والولاء الواجب: هو الحب الواجب الذي لا يتم الإيمان إلا بوجوده، ولو كان ضعيفاً فلا بد من وجود أصله؛ فإذا زال أصل الحب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم زال أصل الإيمان، وإذا نقص نقص الإيمان، وإذا اكتمل اكتمل الإيمان.

فالحب الواجب هو حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب المؤمنين، وحب الإيمان والعمل الصالح، وحب من أطاع الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).

تضمن هذا الحديث: الحب الواجب، والبراء الواجب، وهو كراهية الكفر، وكراهية من يعبد غير الله سبحانه وتعالى تابعة لذلك.

وقد أوجب الله عز وجل حب الإيمان، قال عز وجل: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:٧ - ٨].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار).

فقد تضمن هذا الحديث الولاء الواجب، وتضمن البراء المحرم الذي هو بغض من آمن بالله عز وجل، فإن من تبرأ ممن نصر الدين فإنه يبغض الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن يبغض شيئاً من الدين فهذا والعياذ بالله من علامات الكفر والنفاق، كما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن من نواقض الإسلام: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به.

إن المؤمن لا يتم إيمانه ولا يذوق حلاوة الإيمان حتى يكون الكفر عنده بمنزلة الإلقاء في النار، قال صلى الله عليه وسلم (وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).

ولذلك نقول: إذا عَرضْتَ هذه النصوص القرآنية على ما يُدعى إليه الناس من التحاب في الإنسانية كلها، دون نظر إلى دين أو طاعة أو معصية، وأن الدين لا يفسد للود قضية، وأن الإنسان ينبغي أن يحب كل من ينتسب إلى الإنسانية، مع كون أصحاب هذه الدعوة لا يطبقونها، بل هم أعداء الإنسانية في الحقيقة، وإنما يعرفون حقوق الإنسان الذي هو من جنسهم، أما غيرهم فكأنهم لا يرونهم من البشر، بل يرونهم من الكلاب، كما نسمع هؤلاء الكفرة المجرمين، ومنهم ذلك الرجل المجرم الذي يعبر عن كراهته للإسلام وللمسلمين، ذلك اليهودي الكافر الذي صار عندهم من المقدمين، حتى صار مرشحاً لرئاسة وزرائهم، وهذا الخبيث يقول: إني أشعر بسعادة بالغة عندما أرى دم فلسطينيٍ أو عربيٍ أو مسلمٍ يراق، وذلك أن هؤلاء الكلاب ليس لهم عندنا إلا ذلك، يقصد المسلمين.

وبعد ذلك يقال: إننا لا بد أن نعاملهم بالحسنى، وأن نعاملهم بالاحترام والتوقير، ولا بأس أن نقدمهم في المجالس ونحو ذلك!! وقول هذا الخبيث يدل على مدى الكراهية والبغضاء التي تستوجب منا مزيداً من الكراهية، والله عز وجل قد حذر المؤمنين من اتخاذ عدوه وعدوهم أولياء، وذكر السبب وهو أنهم كفروا، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة:١]، فكيف إذا انضاف إلى ذلك مزيد من الظلم والعدوان، بأن أخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، وآذوا المسلمين لأنهم شهدوا أن لا إلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وإذا كان الإنسان ملتزماً عندهم بشيء من شعائر الدين فله من الأذى والتعذيب أضعافاً مضاعفة عمن لم يلتزم بذلك، فهذا يستوجب مزيداً من العداوة لا مزيداً من التقرب والموالاة والمتابعة، قال الله عز وجل: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة:١].

هذا التحذير في الآية، مع أن ما فعله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه كان إسراراً بالمودة من غير حقيقة وجودها، ولم يكن تصريحاً بالود، وإنما كان في صورة نصيحة، وذلك عندما راسل المشركين ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما راسلهم بما يفت في عضدهم في الحقيقة، حيث قال: إن محمداً قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فانظروا في أمركم.

وما فعل ذلك إلا مصانعة لهم على أهله وماله، فإذا كان من فعل ذلك من أجل حماية الأهل والمال فقد ضل سواء السبيل، فكيف بمن يحبهم ويتولاهم ولا يبغضهم؟! فهذا الحب والعياذ بالله لما هم عليه يعتبر من الكفر فضلاً عن أن يكون حباً من أجل الكفر، فهذا والعياذ بالله ينافي الإيمان بالله واليوم الآخر.

إذاً: فالولاء الواجب هو حب الله، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك حب المؤمنين لأنهم أطاعوا الله، ولا يكون الحب في الله إلا مع استحضار طاعة الله عز وجل، ومتابعة شرعه في النفس، فلا يحبه لأجل موافقة الطباع، ولا لأنه يحسن إليه في المعاملة، بل يستحضر طاعته لله عز وجل وانقياده لشرع الله، وحبه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيحبه من أجل ذلك، وهذا الحب لا ينقص مع التباعد والاغتراب، بل ربما ظل الحب كما كان قبل ذلك، مع تباعد الأقطار، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه).

فلم تفرقهم الدنيا بل ظل الحب باقياً، ولم تؤثر فيه تلك المباعدة التي قدرها الله عز وجل عليهم، ومن هنا كان حب المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنبياء الله عز وجل قبله، ولأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب الأنبياء حاصل رغم تباعد الأزمنة ذلك البعد الطويل.

فإذا سمع الإنسان قصصهم ورأى صفاتهم تتلى عليه في كتاب الله سبحانه وتعالى أحبهم، ولا بد من أن يحبهم إن كان في قلبه الإيمان، فهذا هو الحب الواجب أو الولاء الواجب.