للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم قبول هدية الكافر والإهداء له وتهنئته بعيده]

إن الإنسان يمكن أن يحسن إلى قريبه الكافر ويهدي له، ويقبل هديته، فإن عمر أرسل بحلة إلى أخيه المشرك بمكة يتألفه بها، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا بعض المشركين؛ لكي يتألفهم بها، ورد هدايا بعضهم، وقال: (إني نهيت عن زبد المشركين) أي: عطاياهم، وذلك أن من يريد بهديته المحبة والموالاة ترد هديته، ومن يريد أن تداهنه في الدين، كمن يهدي إليك في العيد لتحرج وتضطر إلى الإهداء إليه في عيده فلا تقبل منه، ولا تهدي إليه في عيده؛ لأنه لا تكون التهنئة إلا في الأعياد المشروعة، التي هي عبادة لله سبحانه وطاعة فلا يجوز أن تسوي بين الحق والباطل، بأن تهنئ الكافر بعيد يحتفل فيه بالشرك بالله، وبميلاد الرب أو بموته، أو نحو ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالتهنئة على المعاصي، فيكف على الكفر؟! ولو أن إنساناً سب أباك أو سب قريباً لك تحبه، ثم إنك في موعد سبه من كل عام تأتي له بهدية، وتقول له: كل عام وأنت بخير، أيعقل هذا؟!! وهل يمكن أن يتصور أن من يفعل هذا يحب أباه أو قريبه؟! لا يمكن ذلك أبداً، فإذا كانوا قد سبوا الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: (شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، قال: وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً).

فكونك تأتي في موعد السب وفي موعد الضلال وتأتي له بهدية أو تشاركه في حفله بذلك أو تهنيه على ذلك فهذا لا يفعله من يفهم شيئاً من توحيد الله سبحانه وتعالى، ويوقن بما أمر الله عز وجل به من الولاء في الله، والعداء من أجله سبحانه وتعالى.

والبراء الواجب هو بغض الكافرين، كما قال سبحانه وتعالى عن إبراهيم والذين معه لما قالوا لقومهم الكافرين: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا} [الممتحنة:٤]، أي: ظهر {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:٤ - ٥].

هذه هي الأسوة الحسنة، مع أن إبراهيم عليه السلام لم يؤمر بقتال، وكثير من الناس يخلط بين القتال وبين العداوة والبغضاء، ويظن أن هناك تلازماً بينهما، ويظن أن كل من عاديناه لا بد أن نحاربه، وهذا غير صحيح، فيمكن أن تبغضه وتعاديه وأنت لا تحاربه ولا تقاتله؛ لأن هناك محاربة من نوع آخر، وهي فراق في الاعتقاد، وبغض بالقلب واللسان، والمعاملة التي أمر الله عز وجل أن نعامل بها الكفار بقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤] وقوله: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:١٢٣]، فالقتال لا يلزم في كل الأحوال؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك قتال المشركين مدة من الزمن ولم تكن هناك موالاة.