للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة القول بجواز حب وموالاة المعاهدين والذميين والجواب عنها]

إن البعض من أهل الجهل والضلال -إن لم أقل: من أهل الزندقة والنفاق-والبعض ممن ينتسب إلى الدين أو الدعوة، ربما حاول صرف الآيات التي وردت في النهي عن موالاة اليهود والنصارى، وقال: إنما هذه في المحاربين فقط دون المعاهدين والذميين، وأما المعاهدون والذميون فلا بأس في حبهم.

أقول: إن هذا هو الضلال المبين؛ فإن الله عز وجل ما أذن في حب كافر أصلاً حتى ولو كان معاهداً أو ذمياً أو قريباً أو بعيداً أياً ما كان؛ لأن المرء مع من أحب، فندعو الله عز وجل أن يجعل هؤلاء مع من أحبوهم، وإن كانوا معاهدين أو ذميين أو مستأمنين أو غير ذلك، فضلاً عمن تزداد أذيته للمسلمين حيناً بعد حين.

ومعلوم أن الآيات وهي على عمومها لا ينازع في عمومها عالم من أهل العلم، وإنما كما ذكرنا الذي يترك أحياناً القتال والمحاربة بالسيف، أما العداوة والبغضاء فهي من أعمال القلوب ولا تترك أبداً، فإبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين به قالوا: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤]، فلم يجعل هناك غاية من المصالح مثلاً أو غاية من العهد والهدنة، أو ترك القتال، أو قال: إنهم أصبحوا لا يؤذوننا الآن، أو قال: إنهم ردوا بلادنا إلينا، وما قال: إنهم أرجعوا الذين أخرجوهم من ديارهم إلى ديارهم، أو أقروا بحقهم في العودة أو نحو ذلك، فإنهم لو ردوا كل شبر إلى المسلمين وأرجعوا المسلمين إلى ديارهم آمنين، فإن رجوع المستضعفين من المسلمين إلى ديارهم تحت حكم اليهود أو المشركين ليس هو العود الذي يرضي المسلمين، إنما الذي يرضيهم أن يعودوا يعلوهم سلطان الله وحكم الله سبحانه وتعالى وشريعة الله، فهذا هو العود الذي يستحقونه، وأما أن يعودوا مواطنين من الدرجة العاشرة تحت سلطان اليهود أو غيرهم فما هذا بالرجوع المطلوب شرعاً، على أنهم لو أرجعوهم وردوا كل الحقوق إلى أصحابها، وذهبوا من الأرض التي احتلوها، وخضعوا للمسلمين خضوعاً تاماً، بل لو أدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لما جاز أن تترك العداوة والبغضاء بيننا وبينهم حتى يؤمنوا بالله وحده.

هذا هو نص القرآن الذي لا يحتمل الأمر بياناً بعد هذا البيان: إنما تزول العداوة والبغضاء حتى يؤمنوا بالله وحده، أما القتال فيزول بالعهد، ويزول بالهدنة، ويزول بعقد الذمة، ويزول بالأمان، فيمكن أن نترك القتال لمصلحة نراها بعد ذلك، ولا يكون ترك القتال دالاً على زوال البغضاء كما يزعمون، فهذا أمر لا يقوله من آمن بكتاب الله وبسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم ومن آمن بالله واليوم الآخر.