للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شر دعاة جهنم على الأمم]

قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: (فقلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبوب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) فهؤلاء ممن دعوا إلى البدعة والضلال والكفر والنفاق والزندقة والانحلال، ممن وصفهم أهل العلم كالخوارج في العهد الأول، وكالباطنية الذين أسسوا الدولة المسماة بالفاطمية، وكغيرهم ممن يبقى إلى يوم القيامة يدعو إلى الكفر والانحلال، وإن كانوا كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا)، فهم ليسوا من الأجانب الأغراب، وليسوا ممن ينطق بالكفر الصراح، وإنما يتكلمون بألسنتنا، ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويزعمون أنهم منتسبون إلى الأمة، ولكنهم في حقيقتهم كما وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام: (قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس، دعاة على أبواب جهنم) فهم كل من دعا إلى الضلال، ونبذ شريعة الله، وحارب الإسلام وأهله، ونبذ السنة حتى وإن لم تكن رغبته في الملك فقط كما كان الدخن الأول، فقد كان صراعاً على الملك والسلطان، ولم يكن قط إرادة لانتهاك حرمات الله، ولا حرباً للدين، ولا إبطالاً لعقائد المسلمين، ولا موالاة للكافرين، ولا تبديلاً لشريعة الله سبحانه وتعالى، فكان بعد ذلك من الشر ما كان، حيث ظهر هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم، وما زالوا يظهرون، وهذا هو الخطر العظيم، فكل من دعا إلى الضلال من البدع القديمة أو المعاصرة، وتمكن من أن يكون قائداً للناس، إماماً لهم يدعوهم إلى جهنم، فهذا من الشر الثاني الذي هو أشر بكثير من الشرور التي سبقت إلا أن يكون شر الجاهلية الأولى فهو مثلها إن لم يكن شراً منها لأجل النفاق والزندقة، فهؤلاء دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، وهذا دليل على أن من اتبعهم، وسار خلفهم، وقبل باطلهم، وأجاب دعوتهم، فهو منهم ومعهم، ومن جنودهم الذين يسيرون في ركبهم؛ فيكون معهم في النار.

وهؤلاء من المنافقين الذين قال الله عنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:١٤٥]، فهذا من كان يعلم فعلاً أنه حرب على الإسلام وأهله، وكان غير ملبس عليه، وأما من لبس عليهم في ذلك فهم في جهنم أيضاً ولا ينجو منهم بعد دخولهم النار إلا القليل؛ لأن من استجاب لداعي الباطل غالباً ما يموت على الكفر والعياذ بالله، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصف حوضه، وأخبر بأن طوله شهر، وعرضه شهر، وماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل، وعدد آنيته كعدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (يحال بيني وبينهم بعد أن أعرفهم، فأقول: أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: إلى أين؟ فيقول: إلى النار، فأقول: لم؟ فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، والعياذ بالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم (فلا ينجو منهم إلا مثل همل النعم)، أي: إلا المهمل من الأنعام، وهذا هو النزر القليل ممن كان فعلاً ملبساً عليه، وما درى أنه يحارب دين الله عز وجل، فهذا مستحق أن يكون معهم، ولكنه ينجو بعد أن يؤخذ إلى باب الشمال، وهذا يدلنا على خطر متابعة الشر والباطل، وإن كان الإنسان قد يكون ملبساً عليه، لكن الواجب عليه أن يتعلم ويستبصر، ولا يجوز له أن يتابع على الباطل، فإن الله عز وجل حذر من المتابعة على الباطل؛ لأن غالب ذلك يؤدي إلى الكفر، قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب:٦٤ - ٦٨]، وقال عز وجل: {قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} [ص:٦١]، وقال سبحانه وتعالى: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٨]، فبين سبحانه أن الأتباع يسألون مضاعفة العذاب للكبراء والرؤساء، فيضاعف الله عز وجل العذاب للفريقين، ولا ينجو منهم إلا القليل ممن مات على التوحيد، وما أبعدهم عن التوحيد؛ لأنهم أطاعوهم في معصية الله بل في الكفر والزندقة والنفاق، ومن عمل ذلك فهو على شاكلة من تبعه.

قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:٨]، وهذا عدل من الله سبحانه؛ فإن فرعون لا يكون فرعون إلا بقارون وهامان وجنودهما، ولا يكون فرعون إلا إذا كان معه من يعضده على كفره وضلاله وزندقته وانحلاله، فناسب أن يكون من أجاب الدعاة على أبواب جهنم قذفوه فيها، ولذلك كان واجباً على الإنسان أن يحذر على نفسه من الشر والبدع قديمةً كانت أو حديثة، ومن البعد عن شرع الله سبحانه وتعالى، وموالاة الكافرين والتسوية بين الإيمان والكفر، والزعم بأن الله سبحانه وتعالى يقبل ملة سوى ملة الإسلام، وتحكيم غير شرع الله عز وجل في أنفس الناس وأعراضهم وأموالهم.

ولاشك أن هذا من الدعاة على أبواب جهنم، وهو -والعياذ بالله- من الكفر والنفاق الذي لا يرضاه الله سبحانه وتعالى أبداً ولا شرعه، وهو من الشر الثاني.